همس الخواطر: د.فاطمة عبدالله ..فشل إستمرار الدراسة في الحرب والسلم
همس الخواطر: فاطمة عبدالله
الحرب ما خلت لينا حاجة ، سلبتنا حياتنا وتفاصيلنا وشقى عمرنا .. ورغم ذلك لم نشعر بخسارتنا الشخصية بعيدا عن وجع الوطن والمواطن .. بل أن الخسائر الشخصية مهما عظٌمت تتضاءل أمام فقد الوطن .. ومعاناة أهله ، وضياع مقدراته وثرواته ..
بالنسبة لي كشيء شخصي رغم أننا فقدنا كل ما بنيناه في سنوات غربة طويلة الا أن أعظم فاجعة بالنسبة لي لم يكن فقد الأموال وإنما كان توقف ولداي هبة ومنير عن الدراسة الجامعية وهم على وشك التخرج .. ولأننا فقدنا كل مستنداتنا الشخصية لم يكن هناك طريقة لبداية جديدة .. ورغم أن رأي منير كان واضحا وحاسما : لن ابدأ من جديد حتى لو لم أكمل الجامعة أبدا ..
الملايين من طلاب السودان خارج الجامعات والمدارس .. هناك من حالفهم الحظ وكانت لديهم الفرصة والمقدرة للدراسة في بلدان أخرى .. ولكن هناك الملايين الذين لا يملكون هذا الخيار .. أو حتى خيار الذهاب للدراسة أو الامتحانات التي نظمتها الجامعات في ولايات أخرى .. لأنهم فقدوا كل مواردهم المالية + استغلال وجشع الولايات المستضيفة ..
العام الثاني للحرب وليس هناك خطة واضحة عن كيف سوف تستمر الدراسة حتى في الولايات التي لم تطالها الحرب ..
أطفال وصلوا سن الدراسة دون أن يدخلوا المدارس .. يعني ذلك طفل أُمي لا يعرف القراءة والكتابة وقد لا يكون حتى يحفظ سور الصلاة ..
اذا استمرت الحرب لسنوات وأطفالنا وأولادنا خارج المدارس والجامعات معناها تغيير مجتمعي كبير سيقود لجهالة وأُمية يُصعب السيطرة عليها مع أوضاع نزوح الحرب وضعف الموارد المالية .. سيؤدي ذلك لتحول أخلاقي سيجعل الغير عادي معدول والغير مقبول ينقبل ..
هشاشة الدولة وانهيار مؤسساتها وعدم الاستقرار السياسي حتى قبل الحرب + طبيعة الشخصية السودانية يجعل التعامل مع الكوارث والطواريء شيء شبه مستحيل .. وظهر هذا بصورة جلية أثناء الثورة وبعدها وأيام الكورونا والآن مع الحرب .. تعودنا على رزق اليوم باليوم وبكرة بنتعامل معاه بعد يجي .. وسيظل الخريف يفاجأنا كل عام .. وكذا الحياة .. ونظل لا نتعلم .. فاشلين في الحرب والسلم ..