كتاب واراء

همس الخواطر:د. فاطمة عبدالله :حروب المظالم .. مظالم جديدة

همس الخواطر: فاطمة عبدالله

 

في تقديري الشخصي أن حرب ١٥ ابريل في السودان كانت عندها غايات عند اندلاعها .. ولكن هذه الغايات تمحورت عنها غايات أخرى حسب زيادة اللاعبين وأهدافهم ، فتداخلت جهات أخرى وأصبحت جزء من الصراع لتحقق غايات تخصها ، فتحول جزء من الصراع إلى حرب بالوكالة بين دول اقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة . . وبدا واضحا أن بعض الدول تلعب لعبة مزدوجة بدعم مليشيا الدعم السريع سرا ، وتقديم المساعدات جهرا ..

 

فاذا سلمنا بنظرية أن الحرب قامت على مظالم تاريخية ، وهو ما ركزت عليه الحرب واستهدفته ، فهل تُؤخذ المظالم بخلق مظالم جديدة غايتها المواطن في المقام الأول ، ودمار شامل للوطن والقضاء على بنيته التحتية ، وتشريد لأهله وسلب لأموالهم وحقوقهم ، وانتهاك لحرماتهم وأعراضهم .. ووقف لعجلة الحياة في البلد ؟ .

 

هل ما يصبو إليه انسان المظالم هو الانتقام ، والبقاء اسيرا في حلقة لا تجلب سوى المزيد من الموت والدمار والخسائر ، أم من الأفضل أن يكون الهدف ايجاد حلول للأزمات وإحلال العدالة بكسر حلقة الظلم بتوزيع عادل للموارد ، مع إيجاد قيم أخلاقية وقوانين تضمن حياة أفضل لإنسان السودان بحاضره ، ومستقبل أجياله القادمة ..

 

الحروب التي تقوم على مظالم سياسية ، اقتصادية ، واجتماعية على أساس قبلي أو عرقي وأيدولوجي ، هي من أكثر الحروب التي يُصعب اخماد نيرانها .. لأنها تقوم على نظرية الحرب المبررة ، التي تجعل من الحرب أمرا مسوغا ومشروعا للتعبير عن هذه المظالم ورفعها ..

 

ويبقى السؤال : كيف تُرفع المظالم بخلق مظالم جديدة وفادحة تؤدي إلى اختلال ديموغرافي في تغيير الهوية الاجتماعية والسياسية في البلد على نحو لا رجعة فيه ؟

هذا الخوف من التغيير الديموغرافي هو الذي يمنع بعض الدول من الذهاب الى الحرب ، لتجنب عواقبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، وفي هذا تجلت حكمة الملكة بلقيس في تجنيب بلادها للحرب مع نبي الله سليمان ، لأنها مدركة للآثار التي تتبعها رغم قوة جيشها وجاهزيته ، فقالت :

(إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)

فالحروب مثل الأعاصير تخلف دمارا سريعا وهائلا ..

 

الاعتلال السياسي في السودان منذ الاستقلال وسيطرة احزاب سياسية وايدولوجيات أحادية التفكير ، ساعد في وجود مجتمعات سياسية نائمة في بصيرتها وفكرها ، محدودة الرؤى ، ترى نماء البلد ورفاهيته في فكرها ، وانقلاباتها وثوراتها ، لا في التفكير الجمعي الوطني .. لأن المجتمعات السياسية التي تقوم على احترام القانون ، واحترام الآخر ، والنفس الانسانية والذات ، والايمان بالتعدد وتوافر الاحتمالات ، هي من تخلق النجاح في واقع بلدانها ..

 

لذا اذا أردت أن تحكم على فساد واختلال الحياة السياسية في بلد ما ، ستجد ذلك واضحا من خلال النتائج والوقائع التي تتجلى عنه .

 

فشل المحاولات لوقف هذه الحرب حتى الآن من خلال المفاوضات أو الضغوط الدولية ، هو نتيجة هذا الاعتلال السياسي ، ولأن كثير من القوى السياسية تحاول أن تحجز مقاعدها في سلطة ما بعد الحرب ، فكان اختيار الحليف والمكاسب لما بعد الحرب أهم من اخماد نيرانها ..

وقف هذه الحرب يتطلب ارادة سياسية وطنية قوية تراعي مصالح الوطن أولا ، وتؤمن بالتعددية قبل المكاسب الحزبية ، ويتطلب هذا مبادرات جريئة من وطنيين يمتلكون براعة وصدق لوقف هذا العنف قبل أن يبتلع الوطن كله ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى