مدينة وادي حلفا الواقعة في اقصى شمال السودان كانت في خاطرنا تلك المدينة التي هُجر أهلها ( بضم الهاء وتشديد الجيم) واندثرت آثارها وغرقت الماذن بعد بناء السد العالي ولم تعد إلا اطلالا ومدينة اشباح..
زاملت ورافقت من أبنائها ومن أبناء قرى ومدن حولها من اعتز باخائهم وصداقتهم المستمرة برغم طول الفراق والتباعد بسبب ظروف الحياة…
زرتها لأول مرة قبل يومين فتغيرت الفكرة تماما حول المدينة وساكنيها الذين تجمعوا هنا من كل بقاع السودان حتى كادت تختفي منها السمة النوبية فاصبحت بذلك نموذجا للتعايش السوداني ومثالا على قدرة السودانيين العيش بكل اجناسهم على بقعة واحدة في امان وسلام كلما ابتعد عنهم الساسة والطغاة والمنظرون..
مدينة حديثة بسيطة منظمة نظيفة آمنة يقطنها قوم طيبون لاتجد منهم إلا كل عون وخدمتك مع الابتسام وابداء السعادة بما يفعلون.. فالكل ياخذك الى وجهتك على دابته مادمت في طريقه ومن يعمل في النقل العام يعلنها ان الكل سيصل مكانه حتى وإن كان لا يملك قيمة المشوار….
تعج المدينة بالتجار صغارهم والكبار وتمتلئ جنباتها بالبضائع مصرية المنشأ وتتكاثر فيها المطاعم والفنادق ومكاتب التخليص والترحيلات تجاه كل بقاع السودان..
قهوة موسى أحد أهم مقاهي المدينة فهي تمثل واحدا من عظام الامثلة على البركة من قليل الربح والقناعة بالقليل إذ تمتلئ مقاعدها على مدار اليوم بالزبائن وتغلق ابوابها قبل المغيب ..
صدق أو لا تصدق ان كوب القهوة بثلاثمائة جنيه فقط وكوب الشاي السادة بمئتين واللبن بثلاثمائة جنيه حسب قائمة الاسعار المنقذة اليوم مع العلم ان كوب السادة كان بمائة جنيه في العام 2005 حسب قائمة الاسعار المعلقة داخل ذات المقهى..
صاحب المقهى وكما علمت يحاسب جيرانه من اصحاب المحال التجارية بمبلغ الف جنيه فقط في اليوم حتى وإن تناول عشرات الأحوال من القهوة والشاي كما علمت بإنه يحج كل عام عدا عامنا هذا وذلك. بفضل البركة فيما يحصل عليه من دخل ..
المدينة تاثرت بالحرب وبدأت تغزوها بعض السلوكيات التي تحتاج حزما من السلطات فبعض الأجانب يعملون في تسويق الشيشة وأندية المشاهدة وما لا ينفع الناس وقد شهدت بعض الحملات لضبط الوجود الأجنبي .. ثم ان بعض ساكني الأماكن العامة من النازحين يحتاجون تدخلا لفرض نوع من التنظيم بما يمنع التشويه البصري وغيره..
وكان الله في عون الجميع