مخاوف في السودان إثر ظهور حركات مسلحة جديدة في الشرق مع اقتراب المعارك من مدن الإقليم
نقلا عن صحيفة مصر اليوم
نقلا عن .. مصر اليوم
تتزايد المخاوف في إقليم شرق السودان مع ظهور حركات مسلحة جديدة هناك خلال الأشهر القليلة الماضية، بعدما امتدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى ولايات وسط البلاد واقتربت رحى الحرب من مدن الشرق.يرى مراقبون أن تشكيل الحركات المسلحة الجديدة ناتج عن مخاوف الأهالي من تعرضهم إلى انتهاكات في حال وصول الصراع إلى عمق الإقليم الشرقي، كما يحدث في ولايتي الجزيرة وسنار.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تأسست أربع حركات مسلحة وافتتحت معسكرات تدريب في ولاية كسلا على الحدود مع إريتريا، وهي حركة تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، وحركة الأورطة الشرقية بقيادة الأمين داؤود، والحركة الوطنية للعدالة والتنمية بقيادة رجل الدين سليمان علي بيتاي، ومؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد.
كان الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة سيد أبو آمنة حذر في منتصف يوليو تموز من “خطر” هذه الحركات الصغيرة الأربع، التي قال إن مؤسسيها هم النظام السابق ورئيس حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي والأجهزة الأمنية “بتمويل سوداني وإشراف إريتري بحجة حماية كسلا من الدعم السريع”.
واعتبر أبو آمنة أن تلك الحركات المسلحة “هي في الأصل أدوات سياسية وواجهات للإسلاميين يريدون أن يشاركوا عبرها في الحكم في الفترة القادمة”، وقال إن جميع قادة هذه الحركات الأربع هم من قيادات النظام السابق ولديهم “تنسيق عال” مع السلطات السودانية.
وذكر أن قائد حركة جيش تحرير السودان وأجهزة النظام السابق سيقومون خلال أسبوع بنقل عناصر تابعة لحركة الأمين داؤود من داخل إريتريا إلى منطقة دنقلا في الولاية الشمالية “كقوة تابعة لمناوي”.
وأضاف “هذا ما حذرنا منه من قبل، فإن أي دخول قوة عسكرية تتبع للأمين داؤود عبر أرض البجا هي فتنة جديدة سنقابلها بما تستحق”.
دعوات للتسليح
قالت الشبكة الشبابية للمراقبة المدنية، التي تشكلت في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 2019 لمراقبة الحكومة الانتقالية، في تقرير نشرته بالآونة الأخيرة إن دعوات التسليح تتزايد مع توسع رقعة الحرب واقترابها من إقليم شرق السودان.
وأوضحت الشبكة في تقريرها، الذي يحمل عنوان (تأثير الحرب وتعدد الجيوش في شرق السودان)، قائلة “لم يتأثر شرق السودان بالحرب مباشرة عند اندلاعها في 15 أبريل (نيسان) 2023، ولكن الآثار الجانبية المتعلقة بتداعياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مست الإقليم كغيره من مناطق السودان”.
وأضافت “مع تمدد رقعة الحرب واقترابها من تخوم الإقليم، ارتفعت حالة التحشيد ودعوات التسليح، وزيادة حالة الاستعداد العسكري مع وصول قوات الدعم السريع (إلى) مشارف ولاية القضارف” في شرق البلاد.
وأشار إلى انتشار أعداد كبيرة من القوات التابعة للجيش والحركات المتحالفة معه في ولايات شرق السودان، وارتفاع نشاط التجنيد في الحركات المسلحة الموجودة أصلا بالإقليم، بالإضافة إلى ظهور حركات مسلحة جديدة.
وأفاد مشاركون في مقابلات أجرتها الشبكة لإعداد التقرير بوجود “تأثيرات أجنبية على نشاط التسليح، خاصة من دول الجوار، وتوقعوا وجود تأثيرات مستقبلية سلبية لهذه التدخلات نتيجة لعمليات العسكرة والتسليح”.
ولفت التقرير إلى أن الأوضاع في شرق السودان “شهدت تحولات ملموسة، إذ تمت عسكرة الأنشطة ذات الطابع المدني والسياسي، وبالتوازي مع هذه الأنشطة شهدت المنطقة نشاطا مكثفا للأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي ضايقت الناشطين والفاعلين أصحاب التوجهات الرافضة للحرب، مما أثر على حالة حقوق الإنسان”.
وينوه التقرير باهتمام إريتريا الكبير بالأوضاع في شرق السودان، ويقول إن “التداخل القبلي يجعل الأوضاع في شرق السودان تؤثر على الأوضاع في إريتريا، كما أن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الإريتريين في السودان يجعلها منطقة مراقبة دائمة للسلطات الأمنية الإريترية”.
واستطرد قائلا “ترتبط إريتريا منذ التسعينات بحلفاء من حركات شرق السودان، مثل موسى محمد أحمد في مؤتمر البجا، والآن يدخل الأمين داؤود ضمن حلفاء إريتريا، كما تقوم حركة تحرير شرق السودان الناشئة بالتدريب على أراضيها. رغم أن النظام الإريتري يتمتع بعلاقات جيدة مع رموز الإدارات الأهلية بشرق السودان، لكنه يفضل التعامل مع الأجسام والشخصيات السياسية”.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن الجيش السوداني في بيان أن قواته البحرية استقبلت قطعا من البحرية الإريترية، ونقل عن رئيس وفد إريتريا القول إن الزيارة تأتي “تأكيدا لوقفة القيادة الإريترية مع الشعب السوداني الشقيق في هذه الظروف التي تمر بها البلاد وتوطيدا للعلاقات الراسخة بين البلدين”.
يشير والي كسلا الأسبق صالح عمار إلى وجود نوعين من الحركات المسلحة في شرق السودان، الأول كان موجودا قبل بدء الحرب ويتجول في أواسط المدن بما فيها بورتسودان ويظهر أفرادها بسلاح ويرتدون رتبا عسكرية، معتبرا أن هذه الحركات “صنيعة الأجهزة العسكرية بالكامل وأنشئت تحت رعايتها”.
وقال في تصريحات لوكالة أنبا العالم العربي (AWP) “أما النوع الثاني فهي الحركات التي تأسست بعد حرب 15 أبريل (نيسان) 2023، وهي نتيجة مباشرة للحرب وحالة الخوف التي انتابت المجتمعات في شرق السودان، وعدم الإحساس بالأمن والطمأنينة ورؤية المجتمعات المحلية لانهيار الدولة وعدم قدرتها على حماية المواطنين”.
وأضاف “بالتالي، أنشأت مجموعات من الشباب والسياسيين وغيرهم الحركات المسلحة، وهي أربع حركات رئيسية”.
لا حل سوى وقف الحرب
يتوقع عمار انضمام المزيد من الأشخاص إلى هذه الحركات المسلحة في حال استمرار الحرب والشعور العام بالخوف، وقال إن من المحتمل أيضا أن تنشأ حركات أخرى، مؤكدا على أنه لا حل لهذا الوضع إلا بوقف الحرب وعودة الدولة لممارسة مهامها في مواجهة الحركات المسلحة بشرق السودان.
ومنذ سقوط نظام البشير في أبريل نيسان 2019، عانى إقليم شرق السودان من سلسلة من الحوادث الأمنية والاقتتال القبلي.
ويوضح مهند محمد، وهو ناشط سياسي مهتم بقضايا شرق السودان، أنه منذ سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة في ديسمبر كانون الأول الماضي، برزت أصوات في الإقليم الشرقي تطالب المواطنين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم في حال الهجوم على ولاياته الثلاث، القضارف وكسلا والبحر الأحمر.
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي إن هذه الأصوات وجدت استجابة واسعة في بعض مدن الإقليم، أبرزها مدينتا الفاو وكسلا، لكن الاستجابة الأكبر كانت في مدينة كسلا، حيث لم يقتصر حمل السلاح على القادرين عليه فحسب بل شمل قطاعا واسعا من سكان المدينة الذين توجهوا إلى معسكرات التدريب التي يشرف عليها الجيش.
ويرى محمد أن هناك عدة أسباب دفعت المكونات الاجتماعية في مدينة كسلا لتأسيس حركات مسلحة، أبرزها حرب 15 أبريل نيسان التي امتدت رقعتها إلى حدود الإقليم الشرقي بعد سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة ولاية الجزيرة المتاخمة للإقليم من ناحية الغرب.
وأضاف أن سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة وارتكابها “انتهاكات واسعة ضد المدنيين العزل تمثلت في القتل والنهب والتشريد” من الأسباب الرئيسية التي دفعت المكونات الاجتماعية لتأسيس حركات مسلحة لحماية المجتمعات التي تنتمي إليها في حال هجوم قوات الدعم على مدينة كسلا.
ووفقا للناشط السياسي، تشترك الحركات المسلحة الأربع الناشئة في هدفين لظهورها، الأول هو الدفاع عن المكون الاجتماعي الذي تمثله تلك الحركات، وهو مجتمع الهدندوة، في حال هجوم قوات الدعم السريع على مدينة كسلا، في محاولة لاستنساخ نموذج القوات المشتركة بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
أما الهدف الثاني، فيقول محمد إنه يتمثل في المشاركة السياسية في الترتيبات الانتقالية خلال مرحلة ما بعد الحرب.
ودعا الناشط الدولة والفاعلين السياسيين في كسلا إلى حل الأزمة الاجتماعية جذريا عبر تلافي الآثار الاجتماعية المدمرة للنزاع القبلي وتشكيل إطار تنسيقي بين هذه الحركات أشبه بالإطار الذي ينظم عمل قوات مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم في الفاشر، بهدف قطع الطريق على “الدول الطامعة في استغلال هذه الحركات في تحقيق أجندتها ويسهل عملية استيعابها في أي عملية سياسية قادمة”.
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على نحو مفاجئ في منتصف أبريل نيسان 2023 بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين بسبب خلافات حول خطط لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دوليا.