👈لأكثر من شهرين متتابعين تقريبا إحتجبت الرؤى المتجددة عن الصدور لظروف خاصة ، فكامل الإعتذار للقارئ الكريم وللذين تواصلوا مع بريد الرؤى مستفسرين عن طبيعة الإنقطاع ، وهنا نذكر القارئ الكريم مجددا بأن قضيتنا الداخلية وحربها اللعين لن تحول دون تعاطينا وتفاعلنا مع قضايا الشعوب الأخرى ، وهم شركاء الحياة والإنسانية والمصير المشترك ، فلذلك مع أول إطلالة بعد الإنقطاع رأينا أن تكون قراءة حول أحد أهم قضايا الشعوب الحرة وتلك التي تنشد الحرية والإنعتاق ، قضية التجربة الديمقراطية وعملياتها الإنتخابية ، نتناولها من حيث المفاهيم والمرجعيات والبنيات التحتية والآليات والممارسة الفعلية والتطبيقات المتنوعة وآفاق التنمية السياسية وفرص الإستدامة ، بالتركيز على التجربة الأمريكية ممثلة في النموذج التنافسي بشقيه التكتيكي والإستراتيجي بين الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن وبديله الإنتخابي الطارئ نائبته كامالا هارتس في مواجهة الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب ..
.والشاهد هنا أن الأصول الثابتة للشورى بوصفها قيمة رسالية والديمقراطية إنسانية . القيمتان الشورى النزيهة والديمقراطية الأخلاقية المقتدرة يشكلان البنية التحتية لرسالة ومبادئ حقوق الإنسان وكرامته بل وجوديته وفاعليته الوجودية . فالتجربة الديمقراطية الغربية والأمريكية التي يتخذها البعض نموذجا يحتذى .. تجربة لم تنشأ من منطلق حالة الوعي الرسالي والإنساني الطبيعي المتقدم ، وإنما جاءت على خلفية فشل تجربة مصادرة حقوق وكرامة وحرية الإنسان لقرون طويلة عبر عدة مفاهيم مثيرة للأسف وللجدل ، مصحوبة بأسوأ أدوات ظلم وقهر الإنسان لأخيه الإنسان كالإستعمار والإحتلال والإضطهاد والتقتيل والتشريد والتهجير القسري والتطهير العرقي والشعوبي والإبادات الجماعية وغيرها .. فشل تجربة همجية الإستوحاش البشري التي قادتها لعصور وقرون ممتدة الأمبراطوريات التاريخية الهالكة ودول الغرب الكبير على رأسها أمريكا ، فشلها قاد إلى حتمية اللجوء إلى حكمة البديل الحضاري العقلاني وإلى التفكير الإيجابي الأخلاقي الإنساني ، الذي يتماشى والفطرة والفكرة الإنسانية السليمة .. منها إقرار مبدأ الحريات والكرامة الإنسانية ، وحتمية تعاون وتواثق الشعوب فيما بينها بغرض تعظيم ورفع قدر ماهي ورسالة الوجود البشري من جهة ومن أخرى تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في الظروف الطبيعية والمحافظة على مبادئ وقواعد القانون الإنساني الدولي في الظروف غير الطبيعية كالكوارث والنزاعات والصراعات والحروب ..
قسمت الممارسة والتطبيقات الفعلية الشورى والديمقراطية إلى عدة صور وأشكال وأنماط مثل الشورى النصية العامة والشورى النصية الخاصة والشورى الفقهية والشورى المفخخة الأخيرة ظاهرها معاني الشورى وباطنها مؤامرات الشلة ، والديمقراطية قسمت إلى عدة صور ديمقراطية مباشرة وغير مباشرة ومختلطة وديمقراطية صورية ظاهرها الديمقراطية وباطنها الدكتاتورية .
فلذلك اي كلام حول الديمقراطية والتحول والبديل الديمقراطي في ظل غياب مقوماتها الأساسية مفهوم ومضمون وآليات وشفافية البنية السياسية والتنظيمية والتطبيقات والممارسة والأداء الفعلي تتحول العملية برمتها إلى نوع من أنواع الهلاك والإهلاك والإستهلاك السياسي ..
فشجرة الديمقراطية المستدامة لاتشتل وتزرع إلا في تربة إجتماعية سياسية عالية الخصوبة الفكرية والسياسية والثقافية الطبيعية غير محورة ومسمدة بمدخلات لا تتناسب وطبيعة التربة والطقس والطقوس وشخصوص البيئة الداخلية ..
عندنا في السودان على سبيل المثال ثمة محاولات فكرية سياسية تاريخية مستميتة سعت سعيا حثيثا لزراعة وشتل وتمقين شجرة الديمقراطية وسط بيئتنا الإجتماعية والسياسية والوطنية والنخبوية على وجه الخصوص، ولكنها للأسف الشديد لم تتجاوز بذرتها مرحلة الإنبات ولا الشتل والتمقين الحيوي ، والتي نبتت وتمقنت (تمسكتت ) وعند شجر المسكيت خبر الندامة الأكيد ..السبب للأسف بنيوي تربة وتركيبة بنيتنا وبيئتنا الإجتماعية والسياسية والإستراتيجية ، المسئول الاول للأسف الشديد عن عقم وضمور وشرور العملية الديمقراطية من جهة ومن أخرى طبيعة وتركيبة الطقس والمناخ السياسي الداخلي والخارجي المكمل لرداءة بيئة ونمو العملية الديمقراطية بالبلاد ..
. فلذلك نقولها وبالصوت العالى اي كلام وحديث حول الديمقراطية والتحول الديمقراطي بالبلاد ينبغي ان تصفر وتؤسس له بيئة إجتماعية سياسية وطنية من جديد وبصورة علمية عملية سياسية ديمقراطية شورية جادة ، فضلا عن تحريز ومراجعة المدخلات الخارجية التراكمية والظرفية للعملية السياسية والديمقراطية بالبلاد .. فالقضية السودانية يا أهلنا الكرام في كافة مساراتها ومجالاتها وبيئاتها المختلفة كما أشرنا إلى ذلك من قبل قضية بنيوية وليست بينية كما يسعى ويصر البعض على هكذا نظرة وتشخيص وممارسة ، فالتشخيص الجيد لأي قضية أو حالة يقود بصورة سلسة سليمة إلى الحل والعلاج الجيد والعكس صحيح …
وأما فيما يتعلق بالديمقرطية والعمليات الديمقراطية في أوروبا والغرب الكبير و مريكا على وجه التحديد كما أسلفنا هي وليدة تجربة سياسية إنسانية قاسية للغاية حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم . والملاحظ على وجه الخصوص أن العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من تعقيداتها السياسية والتنظيمية والتفاعلية إلا أنها قد حزمت وحسمت بنيتها التحتية في وقت مبكر من عقود طويلة فى مقدمتها ضمن بنيات أخرى البنية الفكرية والثقافية والدستورية والقانونية والإجتماعية والسياسية والإستراتيجية ، التي أسست مع مرور الوقت لقواعد وقوائم ومسارات الديمقراطية الدستورية المستدامة ، ومن أهم صورها تأسيس وتركيز المفهوم والمحتوى الديمقراطي وتطبيقاته ، تركيزه على عدة مستويات ، مستوى الوعي والتنمية الديمقراطية المستمرة ، مستوى الهياكل والعلاقات الهيكلية والسياسية والتنظيمة رأسية وأفقية وتفاعلية .. على المستوى التنظيمي ، حزبان مقتدران فقطة هما الحزب الديمقراطي والجمهوري فضلا عن فسح المجال أمام حركة المستقلين علي صعيد الحرية والفكرة والتطبيقات والممارسة ، ثم تحديد المدد الزمنية وعدد الدورات عند تولى المهام الدستورية العامة مقروءة كمعايير على نحو صارم داخل البنية وعمليات البنية الحزبية والسياسية والتنظيمية المرتبطة بأحكام وإحترام القوانين واللوائح المنظمة للعملية ، وكذلك طرق ومصادر التمويل مع ضبط وتقييد حركة المال السياسي والحد من صور إستغلال النفوذ وإمكانيات الدولة .
وعن النموذج الديمقراطي الإنتخابي التنافسي الأكثر جدلا في تاريخ التجربة الأمريكية بين الرئيسين الحالي جو بايدن ومنافسه الشرس الرئيس السابق دونالد ترامب .. بعد الدراسة التحليلية الإستراتيجية المعمقة للحالة إتضح بما لايدع مجالا للريب بان المنافسة بينهما وحزبيهما منافسة قائمة على بعدين بعد تكتيكي سياسي حزبي والآخر شخصى بلون وطعم تكتيكات المنافسة لا تطال وتمس أبدا ثوابت وجوهر البنية السياسية والقانونية والدستورية للعملية الديمقراطية الأمريكية ، فكل مايدور ويجري الآن في الساحة التنافسية الأمريكية لا يتعدى حدود المسموح به وفقا لاحكام الدستور ونصوص القانون وإعمال اللوائح ، لن تمس كما أسلفنا ثوابت الدستور والتقاليد والأعراف الأمريكية بأي حال من الأحوال ..
والشاهد هنا أن الصراع السياسي المحتدم الآن بين المتنافسين بايدن .. ترام ثم ترام …كمالا هاريتس لم يكن وليد الصدفة وإنما نتيجة لعمليات سياسية تكتيكية منظمة قادتها عن الحزب الديمقراطي ومن خلال كمين سياسي محكم قادتها رئيسة مجلس النواب الأمريكي الديمقراطية السابقة نانسي بلوسي ضد الرئيس السابق دونالد ترامب وحزبه في خواتيم ولايته الأولى ٢٠٢١ قطعت بموجبها الطريق أمام ولايته الثانية ٢٠٢١ — ٢٠٢٤ في توقيت حرج للغاية عبر مسارين تكتيكيين ، الأول سياسي تشريعي كانت ذروته تمزيقها في حادثة تاريخية مشهودة غير مسبوقة مزقت خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في سياق سجالي غير ديمقراطي بينهما ، قاعدته الفعل ورد الفعل المناسب وغير المناسب له بين البيت الأبيض والكونغرس حينها ، ثم المسار القانوني والذي بموجبه حملت دونالد ترامبةحملا ( بالسوداني أم بوبلي ) حملته لمحاكمة تكتيكية تشهيرية طبخة سياسية مسبكة بنكهة قانونية أمام مجلس الشيوخ ( السنت ) محاكمة خطط لها بأن تأتي في توقيت سياسي إنتخابي تنافسي حرج للغاية متزامنا مع تجديد ولايته الثانية ٢٠٢٤ . الأمر الذي أضعف بل أنهى بشكل رئيسي وقتها حظوظ الرئيس ترامب في الفوز بولاية ثانية خطفها من بين يديه خطفا الرئيس الحالي جو بايدن . وهو شخصية سياسية تشريعية مخضرمة شغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما دورتين متتاليتين ٢٠٠٨ — ٢٠١٦ شخصية سياسية مخضرمة بيعرف من أين تؤكل الكتف وكذلك الكف .. وبالمناسبة كان يسعى بشكل جاد للفوز بولاية ثانية ٢٠٣٤ —- ٢٠٢٨ ولكن عامل العمر وعوامل أخرى حالت دون ذلك ، فحقا وصدقا كما في رأي المثل السوداني الشهير ( ام جرقم مابتأكل خريفين ) وأم جرقم نوع من الجراد الضخم عمره لا يتعدى الموسم الخريف الواحد ……
نعم أن مؤشرات وحظوظ فوز الرئيس السابق دونالد ترامب من منظورين سياسي تكتيكي وسياسي إستراتيجي أقوى وأكثر بأضعاف مضاعفة عن البديل المنافس كامالا هاريتس ونائبها المخضرم تيم ويلز ، والسبب التكتيكي المباشر المحاولات السياسية الفاشلة التي حاول الحزب الديمقراطي ومرشحه لعبها للمرة الثانية بحق دونالد ترامب وحزبه الجمهوري وذلك من خلال شن سلسلة من الهجمات القانونية والقانونية المسيسة المبكرة عبر المحور القضائي وهو نفس الجحر الذي لدغ منه ترامب وحزبة في الدورة السابقة ، فقد ظل بايدن وحزبه يلعبان على خط تماس العملية السياسية في دورة السباق الرئاسي المتجددة بنفس خطة نانسي بلوسي ( اللعب على خط تماس المحور القضائي ) وبالمقابل فطن ترامب وحزبه على الحكاية فلعبا على طريقة دفاع المنطقة ( التشتيت والتقريش وتخزين ودس الكرة ) وسط لياقة سياسية ذهنية تكتيكية إستراتيجية عالية مع الإعتماد على مصيدة التسلل داخل البيئة القضائية ضد بايدن وحزبه وعلى الهجمات المرتدة القاتلة مدعومة بأساليب متنوعة من الخطة السياسية التكتيكية التي أفلحت في النهاية على إخراج بايدن من دائرة المنافسة في الزمن التنافسي بدل الضائع ، مع إحكام القبضة التكتيكية الإستراتيجية المستمرة والمستقرة على البديل المنافس كمالا هارتس الذي توعدها بشهر عسل سياسي قصير للغاية قبل دخولها لشهر التعاسة والتتعيس . ف على الرغم عن جدارتها بتولي المنصب الرئاسي الرفيع على نحو تاريخي نوعي غير مسبوق إلا أنه ثمة عوامل واسباب عديدة لاتقل عن خمس نقاط ضعف تحيط بها وبحملتها وحزبها الديمقراطي ، فبلا أدنى شك سيستغلها ويوظفها ترامب وحزبه فيما تبقي من زمن قبل التوجه إلى صناديق الإقتراع في نوفمبر القادم ..مقابل نقاط ضعف إقل تحيط بترامب وحزبه الجمهوري الذي إتسم خطابه التنافسي ضمن الخطة التكتيكية إتسم بروح الإثارة والعنف السياسي التكتيكي الإستهلاكي التخويفي وبالمقابل لعب بايدن وتلعب الآن كمالا هارتس على خطة ضمان الإستقرار ومنع الإنزلاقات السياسية والأمنية والشعبية في أوساط المجتمع الأمريكي ..
خلاصة القول ترامب وحزبه الجمهوري أقرب بنسبة كبيرة للغاية للفوز مقابل منافسته كمالا هارتس ، سر أسرار التفوق تحديات المشهد الخارجي والداخلي ، ضيق فرص النوع في الفوز بالسباق الرئاسي على الرغم من بلوغه درجات متقدمة لكنها لم تتجاوز بعد منافسات المراحل التمهيدية الحزبية والعامة المكملة لأهلية المنافسة الدستورية العامة … وللحديث بقية بإذن الله مع تطورات وأطوار العملية الإنتخابية الأمريكية …
أرتي ميديا