بعيدا عن تعقيدات الحرب ومساجلات جنيف ، ولبعض الترويح توافرت لدي قائمة أفلام موصى بها.. قررت مشاهدتها لعلها تنسيني ولو لبعض الوقت ما يحدث في بلدنا ..
بدأت بفيلم هندي اسمه :(Mrs. Chatterjee Vs
Norway) الفيلم مقتبس عن قصة حقيقة تحكي عن زوجين من الهند هاجرا للنرويج بغية الاستقرار والحصول عن الجنسية النرويجية ..
الزوجة أتت عروس للنرويج وانجبت ولد وبنت .. وكانت هندية بكل تفاصيل حياتها ، تحرص على لبس الساري والأكل الهندي وعايشة بكل تفاصيل الهند في بلد لم تتأثر بثقافته مطلقا .. ولم تهتم بملاحظات الزوج التي يطالبها بالتغيير حتى لا تواجههم عقبات أو بلاغات تحول دون حصولهم على الجنسية
وحدث ما كان الزوج يخشاه فقد أبلغت بعض الجارات عن سلوك الأم في التربية مما أخضعها وزوجها لمراقبة الرعاية الاجتماعية وتنظيم زيارات منتظمة للأسرة في أوقات محددة ..
الزوجة بطبيعتها البسيطة لم تفهم طبيعة تلك المراقبة وظلت تتعامل مع الأطفال أمام موظفات الرعاية الاجتماعية بنفس الطريقة التي لم تر فيها أي بأس لاختلاف الثقافات .. وتعاملت مع موظفتي الرعاية الاجتماعية بهذه البساطة ، في حين كانتا تراقبانها بخبث وبعيني نسر يراقب فريسته وجاهز للانقضاض عليها .. وكان أن أخذت الرعاية الاجتماعية الطفلين وبررت ذلك لعدم صلاح بيئة البيت والوالدين للتربية ..
وعندما عرضت الرعاية الاجتماعية أسباب أخذ الطفلين للوالدين .. ضحكت من أعماقي ، وقلت في نفسي : ديل لو كانوا في السودان لكانوا أخذوا (جميع ) أطفال السودان وعرضوهم للتبني ..
المهم أن الأم جاهدت جهاد مستميت ، وكانت شرسة شراسة الأم التي لن تسمح لأحد بأخذ أطفالها حتى لو كلفها ذلك حياتها .. ولا تفهم حتى أن هناك أحد أو جهة يمكن أن تكون بديلا عنها في تربية أولادها .. واستمرت في معركتها الشرسة إلى
أن ربحت قضيتها أمام الحكومة النرويجية ..
الفيلم ذكرني صديقة لي تزوجت سوداني مقيم في امريكا .. بعد ولادة أول طفل نبهها زوجها أن الأطفال هنا محميون بقوانين صارمة وتربية السودان هنا ما بتنفع وعليها أخذ الحذر وبالذات قدام الأجانب .. عشان ما يشيلو منها طفلها ..
قالت لي قلت في نفسي باستهجان : منو دا البقدر يشيل مني ولدي .. ؟
ولأني أعرف طبيعة شخصيتها الشرسة تساءلت من يستطيع منازعتها في أولادها؟ ولكنها بلد قوانين .. لن تستطيع الفرار من ذلك .. وكان أن أدركت بعد بعض الوقت أن الموضوع ما فيهو لعب .. وحبست صوتها من الكواريك ويديها من الضرب .. وربت نفسها قبل أن تربي أولادها .. وحتى عند زيارات السودان كانت ماسكة نفسها من أي سلوك يعرضها للمراقبة عند العودة ..
قالت لي صبرت عليهم صبر أيوب ، أعاين بس وكاتمة غيظي بجوة لما اتحيرت من نفسي ، وأول ما قبضت الجنسية .. قلت لزوجي .. البلد دي كان تقعد فيها براك .. خميت أولادي وذهبت للامارت .. اشتغلت ودخلت أولادي مدارس أجنبية .. وأمريكا دي الا زيارات بس .. وأولادي عارفين لو واحد فيهم نطق بكلمة ما تعجبني أثناء الزيارة هناك .. بلقى الشبشب راجيهو بعد نرجع .. بنربي أولادنا بطريقتنا ، وبرأينا .. نحن قاعدين ندخل في طريقتهم .. مالهم ومالنا ؟
ضحكت وانا أقول في نفسي : واضح سنوات عيشتها في امريكا ما غيرت فيها شيء ..
اختلاف الثقافات يفترض أن يكون فيه تنوع يثري في تداخل يضيف للشخصية ويغيّرها بطريقة ايجابية .. تأخذ من الثقافة الصحيح منها وتترك الخاطيء الذي لا يتناسب مع معتقداتك وبيئتك ..
والغرب يدرك أنه بفتح أبوابه للثقافات المختلفة يمثل اثراء يوازن تعقيدات حياتهم الاجتماعية والأسرية ..وينعشها بنفس جديد .. رغم بعض مخاوفهم واراءهم فيما يختص بالمهاجرين ..