حرب 15 أبريل اللعينة المشؤومة عرّت الوجوه . وكشفت الأقنعة ، ووضعت الساسة في مواقعهم الحقيقية ، وظهر كذب الادعاءات ، فبعض الأمور رؤيتها لا تحتاج للبصر ، بل هي محض بصيرة .. فبعد أن أتضحت أهداف هذه الحرب وبدا واضحا أن المقصود هو السودان ومواطنه وموارده وديموغرافيته ، فأصبح اتخاذ المكان من هذه الحرب يمثل حقيقة وعيك بما تفهمه من المراد منها .. وبما تريده لمستقبل وطنك ..
مليشيا الدعم السريع فعلت بالوطن ومقدراته وانسانه ما لم يفعله أحد في تاريخه ، وظهر واضحا كذب ادعاءاتها ومقاصدها ، فما هي الا واجهة دمار تقوده جهات خارجية تمسك بخيوط اللعبة وتحركها من بعيد بنفوذها وأموالها .. ودعم العالم الظالم لها ..
هذه الحرب مع وضوح معالمها واسبابها ، وما فعلته بالمواطن من ظلم وتنكيل ونهب وسلب وتشريد ، لم تترك لبعض الساسة حجج يدافعون بها عن مواقفهم التي تتماهى وتدافع عن المليشيا سرا وجهرا .. رغم أنهم يدعون الحياد ، فسقطت هذه الفئة في أعين المواطن بلا رجعة ، فهي حرب واضحة المعالم لا يمكن اتخاذ جانب الحياد فيها ، اما ان تتخذ جانب الجيش أو المليشيا ، أعجبك الجيش أم لم يعجبك ، فهذا وقت خيار الوطن فقط ، والجيش هو الخيار الوحيد للحفاظ على هذه الأرض ..
هذه الحرب أظهرت مواقف الساسة الوطنيين الذين كانوا يختلفون مع الجيش والمؤوسسة العسكرية ظاهرا وباطنا ، ولكن في هذه الحرب اختاروا جانب الجيش ، لأنهم أدركوا أنها معركة بقاء الوطن ، وأن هذا الصراع لا وقته ولا زمانه .. فتركوه لحينه .
أي حديث في هذا الوقت عن اصلاح المؤوسسة العسكرية فهو محض هراء ، هو مطلوبا، ولكن ليس هذا وقته ، فهذه المؤوسسة الآن هي التي تدافع لبقاء هذا الوطن .. مات من مات وبقى من بقى حاملا السلاح ، لا يبغي غير النصر أو الشهادة .
أتعجب لبعض الساسة الذين يهاجمون الجيش بكل قوتهم وتعمى ابصارهم عن كل ما يفعله الدعم السريع . . لا كلمة في حقه ولا ادانة ، ولا يستخدمون غير مصطلح طرفي النزاع .. كأن هذه الحرب لم تتجاوز الجيش والمليشيا ، وكأن المواطن لا يمثل طرفا فيها .. وهو أول من سحقته اقدام المليشيا بلا رأفة ولا رحمة .
هذا هو وقت الوطن ، ان يكون أو لا يكون ، والوقوف مع القوات المسلحة هو منطق الرشد ، فنهاية المؤوسسة العسكرية هو نهاية الوطن ، وبقاء الجيش هو بقاء للوطن ، واستبداله بالمليشيا كأنك تستبدله بالشيطان ، وواهم من يظن أنه في الامكان اصلاح المليشيا لتكون بديلا عن الجيش ، بل من الهطل حتى التفكير في ذلك ..
هذا ليس وقت المخاوف من عودة الاسلاميين أو المدنيين ، ولا هو وقت التخوين وانعدام الثقة ، هو وقت التركيز على حماية الوطن من آفة المليشيا ، فليس بالامكان العودة للبيوت والمدن والقرى والحياة الا بنهاية هذا المليشيا نصرا أو تفاوضا عادلا ، ولا يتحقق ذلك الا بتضافر كل الجهود مع الجيش لسحقها ، أو اجبارها على التسريح .
وبعد نهاية هذه الحرب علينا أن نتعلم مما مضى ، وأن لا نجرب المجرب ، فقط حكومة تكنوقراط وطنية غير حزبية تساعد على عودة الحياة واستقرارها والتجهيز للانتخابات في فترة لا تزيد عن عام ، والفيصل لحكم هذه البلاد هو الانتخابات ، أي سماح لفترة انتقال طويلة معناها عودة الفوضى مرة أخرى .. كما حصل بعد سقوط الانقاذ .. فلو تم الاتفاق على فترة انتقالية قصيرة لكنا في خيرين تلاتة .. ولو تفتح عمل الشيطان ..
من منا لا يتمنى خير هذا الوطن ؟ في ظني أننا جميعا نتمنى ذلك ، ولكن هناك من فقد بوصلة الصواب ، وظن أنه يفيد وطنه في موضع ضره ، وظن أنه ممن يُحسنون صنعا ، وسقطوا في اختبار الوطنية سقوط شنيع .. واختار مصالحه وايدولوجيته عن وطنه ..
كل من يتماهى مع الدعم السريع ويدافع عن مواقفهم ، ويسكت عن ظلمهم ، فهو منهم حتى ولو لم يحمل سلاحا ..
عندك موقف من الجيش وآراء سالبة فيه ، لا بأس هذا حقك .. فكلنا عندنا آراء ، ولكن أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لدعم المليشيا ، فأتمنى أن يعود النور لبصيرتك .. فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ..
هذه الحرب وضحت بجلاء أن العمى السياسي الذي يعاني منه بعض الساسة لم تغيره هذه الحرب ، فالسياسة لا دين لها ، وبعض كان ينادى الجنجويد ينحل ، هو الآن لا يمانع استبدال الجيش بالجنجويد ، فالجنجويد في نظره أفضل من جيش الكيزان كما يدّعي .. رغم تكرارهم أن الدعم السريع هو من رحم الجيش .. وصنيعة الكيزان ، فانقلبت المواقف تبع المصالح ، وعدو الأمس أصبح صديق اليوم .. فالسياسة لا دين لها .. والمستفيد من تواجد الدعم السريع هو من سيدافع لبقاءه ، فكل هذا التسليح ، وغض البصر عن كل انتهاكاته الا حرصا لهذا البقاء ..
فمن يريد بقاء الدعم السريع ..؟
هل وضحت لك ؟ حتى لا تسقط في اختبار الوطنية .