همس الخواطر .. د.فاطمة عبدالله تكتب : كيف ستنتهي حرب السودان ؟؟
همس الخواطر: د.فاطمة عبدالله
في تقديري لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف أو متى ستنتهي الحرب في السودان ؟ أو هل ستنتهي انتصارا أم تفاوضا .. ؟
لكن الصورة واضحة بشكل جليّ في حال انتهت الحرب بسيطرة التمرد ، أو انتصار الجيش .
الحروب هي أسوأ طريقة لتسوية الخلافات السياسية، وخاصة في هذا العصر ، حيث تعتمد الحروب على آلات القتل الجماعية ويصعب تحقيق نصر واضح فيها . تستمر العديد من الحروب الحديثة فترات طويلة ، لعدم تقديرهم الحقيقي لكلفة الحرب وثمنها الباهظ ، وقد تفشل الأطراف المتنازعة في تحقيق نصر حاسم فيها ، أو تسوية تنهيها سريعا ، وقد يعود ذلك في الأغلب لاعتقاد القادة أن التسوية تهدد بقاءهم ، أو لا تحقق مصالحهم ، أو عندما يخشى قادة الحرب من أن خصمهم سيزداد قوة في المستقبل .
يقول الكاتب (باو نينه) وهو من قدامى المحاربين في الجيش الفيتنامي الشمالي ، ومؤلف إحدى أكثر روايات الحرب إثارة في القرن العشرين “حزن الحرب” يقول :
(إن الحروب الحديثة مروعة ومدمرة للغاية لدرجة أنها لا يمكن أن تؤدي أبدا إلى أي شيء يمكن أن يطلق عليه النصر ،فكل نجاح يتحقق في ميدان المعركة يكون بتكلفة دموية هائلة ، بحيث يصبح تسميتها نصرا فكرة مثيرة للسخرية) .. ويضيف : “في الحرب لا يفوز أحد أو يخسر ، لا يوجد سوى الدمار) .
النزاعات المسلحة الحديثة تميل إلى النهايات الطويلة ، وإذا كانت الحروب القديمة تنتهي بمعركة ضارية، فقد أصبح ذلك من الماضي، ولا تصلح هذه الفكرة لحروب هذا القرن ، وهذا أصبح واضحا جدا .
بعض الحروب تنتهي بالتفاوض ، وفي الغالب يكون سبب ذلك عندما تتضح تكاليف القتال الباهظة فيبحث المتحاربون عادة عن تسوية ، أو عندما يحقق هذا التفاوض مصلحة جميع المتحاربين ، أو من له الغلبة ، أو باتفاق سياسي ينهي الصراع بشكل توافقي ..
الصورة التي أمامي الآن بالنسبة للحرب في السودان تقول : أن أمد هذه الحرب ستطول اذا لم تتغير طريقة التعاطي معها ، هذه الحرب ستطول طالما أن الأطراف المتحاربة لا تدير الصراع بمفردها ، طالما أن الصراع ليس سوداني ، سوداني ، طالما ان عدم الثقة والتخوين هو السائد بين الأطراف السياسية ، وطالما أن الدعم السريع يقاتل لأجندة مدعومة من الخارج ، وأهداف موضوعة بعيدة عما تصرّح به ألسنتهم ..
الشعب السوداني القابض على جمر المعاناة المنتظر بشائر تفرح قلبه المفطور وجسده المنهك أن الحرب قد أوشكت على نهاياتها .. ولكن من يستطيع أن يُبشّره بذلك ؟
أكثر من عام ونصف على الحرب ، ومع ازدياد انتهاكات الدعم السريع وتباطؤ تحركات الجيش وعدم قدرته على حماية أو توفير الأمان للمواطن ، رغم ما حققه من انتصارات أخيرة ، ولكن لا شيء يُخبر أن الحرب قد أشرفت على نهايةقريبة أيا كانت هذه النهاية ..
المواطن السوداني مصطف مع جيشه رغم ملاحظاته وانتقاداته عليه ، لأنه يدرك أن لا سبيل لبقاء السودان الا بنصرة جيشه .. لا سبيل للرجوع لبيته وحياته الا بانتصار الجيش حربا أو تفاوضا ..
الشعب يدرك أن الاصطفاف مع الجيش هو اصطفاف لبقاء أهم مؤسسة من مؤسسات الدولة رغم عيوبها المعروفة ، على اعتبار أن الجنجويد هم قوة قبلية تربط أفرادها اواصر الرحم والدم والعصبية ، وبهذه الصورة فإن خسارة الجيش أمام التمرد تعني شيئا واحدا وهو خسارة الوطن للجميع ، ويبدو واضحا أن انتصار قوات التمرد لا يعني غير أن تستحوذ أسرة دقلو على السلطة بقوة المدفع ، وأن تسوس الناس بالسياط والسلاح ، وتطلق يدها في القتل لأتفه الأسباب أو بلا سبب، بذات القسوة والوحشية التي ما زالوا يمارسونها في هذه الحرب على العزل الأبرياء من المدنيين .
ما فعله الدعم السريع بالمواطن السوداني في مناطق سيطرته يرتقي لمستوى جرائم الحرب ، هذه الانتهاكات الجسيمة ، أكدت للمواطن أنها لن تستطيع التعايش مع الدعم السريع ، حربا أو سلما ، فالدعم لا يحتاج لسبب لينكل بالمواطن الأعزل المغلوب على أمره ..
مزاعمهم عن محاربة الفلول والاتيان بالديمقراطية كذبتها أفاعيلهم بالمواطن ومقدرات الوطن ، وظهرت جلية واضحة أكاذيبهم المزعومة لقيام هذه الحرب ، التي كان المستهدف فيها من المواطن من الدرجة الأولى واخراجه من بيته وافقاره ونزوحه ..
كيف ستنتهي الحرب أو متى ، لا نعلم .. ؟ ولكن الذي يبدو واضحا أن السودان لن يكون السودان الذي نعرفه اذا انتصر التمرد في هذه الحرب .
انتصار التمرد هو نهاية الدولة السودانية ، وحكم على المواطن باستمرار نزوحه وفقره وقهره وشتاته ..