أخبار
أخر الأخبار

رؤية خاصة (2) بروفسير / احمد عبيد حسن يكتب:

 

“اتحاد الغرف الصناعية السودانية: طريق الصناعيين نحو نهضة شاملة وإعادة الإعمار”

لقد أصبح القطاع الصناعي السوداني اليوم أمام مفترق طرق؛ إما أن ينهض من بين الركام بإصرار وابتكار، أو أن يظل عالقًا في دوامة الدمار الذي أحدثته الحرب. ولأن التحديات المالية والبنية التحتية تجعل الانتظار خيارًا قاتمًا، يتحتم على الصناعيين البحث عن طرق جديدة للحصول على التمويل والدعم، سواء من المجتمع الدولي أو من الدول الصديقة.

 أري ان القطاع الصناعي السوداني يقف اليوم عند نقطة تحول تاريخية تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات العميقة التي خلفتها الحرب. مع الدمار الهائل الذي أصاب البنية التحتية والمنشآت الصناعية، وغياب الموارد المالية الكافية للدولة، أصبحت المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق القطاع الصناعي ذاته، وهنا يبرز الدور المحوري لإتحاد الغرف الصناعية السودانية كمظلة جامعة تمثل الصناعيين وتدافع عن مصالحهم.

 اتحاد الغرف الصناعية السودانية ليس مجرد كيان تنظيمي، بل هو الصوت الجماعي الذي يمكن أن يتحدث باسم أصحاب المصانع ويقود الجهود لإعادة بناء القطاع. 

 الالتفاف حول الاتحاد يتيح للصناعيين فرصة توحيد رؤيتهم وأهدافهم، وتقديم مطالبهم بشكل موحد وفعّال أمام الحكومة والمنظمات الدولية. هذا النوع من التنسيق يمنح القطاع الصناعي قوة تفاوضية لا يمكن تحقيقها من خلال الجهود الفردية.

يمكن للاتحاد أن يلعب دورًا رئيسا من خلال تشكيل لجنة خاصة تضم نخبة من الصناعيين وأصحاب الخبرة، تكون مهمتها تقييم الأضرار بشكل احترافي ووضع خطط واضحة لإعادة الإعمار. هذه اللجنة يمكنها أن تعمل كوسيط بين الصناعيين من جهة، والجهات المانحة والممولين الدوليين من جهة أخرى، لضمان توجيه الموارد بشكل عادل وفعال.

دور الاتحاد يمتد أيضًا إلى التعاون مع المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو). حيث يمكن للقطاع الصناعي، عبر وزارة الصناعة والاتحاد، طلب إجراء دراسة شاملة لتقييم حجم الأضرار التي أصابت المصانع والبنية التحتية الصناعية. مثل هذه الدراسة لن تقدم فقط صورة دقيقة للواقع، بل ستكون أداة مهمة لجذب اهتمام المجتمع الدولي وتسليط الضوء على الحاجة الملحة للدعم.

منظمة اليونيدو تتمتع بخبرة طويلة في دعم الدول المتضررة من النزاعات، 

ويمكنها أن تقدم للسودان دعمًا تقنيًا ولوجستيًا لتنفيذ خطط التعافي.

 إجراء هذه الدراسة يمكن أن يكون مدخلاً لبرامج تمويلية كبيرة تستهدف إعادة بناء البنية التحتية وتشغيل المصانع المتضررة.

قبل أكثر من عام كنت قد تقدمت بمشروع لإعادة اعمار القطاع الصناعي بعد الحرب لمكتب اليونيدو في السودان والذي لحسن الحظ ان الذي يشغل منصب الممثل المقيم للمنظمة فيه سوداني ورحب حينها بالفكرة ووعد بنقل فكرة المشروع لرئاسة المنظمة في النمسا ، اعتقد ان الوقت قد حان لمواصلة هذا الجهد بمساعدة وزارة الصناعة والتي هي نقطة اتصال المنظمة في السودان. 

منظمة اليونيدو يمكن ان تساعد بتمويل اولي بسيط لإجراء دراسات حصر وتقييم الخسائر وعمل دراسة وافية للمنظمات المانحة. كما يمكن للمنظمة ووزارة الصناعة تسخير فرق بحثية من مركز البحوث والاستشارات الصناعية مع الخبراء الذين تنتدبهم للمهمة لتقصير مدة اجراء الدراسة وسوف يساعد هذا في بث الروح في العاملين في المركز بعد فترة الانقطاع الطويلة بسبب الدمار والحريق الكامل الذي اصاب المركز خلال هذه الحرب اللعينة.

  لذلك في راي الخاص البداية الصحيحة لإعادة الاعمار تبدأ بتشكيل لجنة متخصصة من عضوية الاتحاد للتواصل مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) عبر وزارة الصناعة كخطوة استراتيجية اولية. هذه اللجنة تستطيع طلب إجراء دراسات شاملة لتقييم الأضرار على المستوى الصناعي، وهو ما يساعد في تقديم بيانات دقيقة وجذابة للجهات المانحة. إن توجيه هذه المبادرات من خلال الاتحاد، ككيان موحد يمثل الصناعيين، يضفي مصداقية عالية ويعزز فرص نجاح الجهود المبذولة.

يجب القول انه وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يظل التفاف الصناعيين حول اتحاد الغرف الصناعية السودانية هو الخطوة الأولى نحو استعادة القطاع الصناعي دوره الحيوي في الاقتصاد الوطني. هذه الوحدة ستسهم في تحقيق صوت قوي ومسموع، يجعل من الممكن الوصول إلى الدعم الدولي والإقليمي، ووضع القطاع على طريق النهوض المستدام. إنها لحظة تتطلب قيادة حكيمة وتخطيطًا استراتيجيًا، حيث يمكن أن يصبح اتحاد الغرف الصناعية السودانية القائد الذي يقود الصناعيين نحو مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا.   

 الحصول على منح ومساعدات دولية ليس مهمة مستحيلة، لكنه يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتعاونًا فعالًا. بدايةً، يجب على الصناعيين في السودان بناء خطط إعادة إعمار واضحة المعالم، تتضمن تقييمًا شاملاً للأضرار، تقديرًا ماليًا دقيقًا للتكاليف، وأولويات محددة لإعادة تشغيل المصانع. هذه الخطط ليست مجرد وثائق، بل رسائل تعكس الجدية والشفافية لجذب انتباه المنظمات الدولية المانحة مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) هذه الوثائق يجب أن تشمل أهدافًا قابلة للقياس، مثل عدد الوظائف التي سيتم خلقها أو كمية الإنتاج المتوقع بعد إعادة التشغيل. الاهتمام هنا يجب أن ينصب على المشاريع التي تحقق عوائد سريعة وتلبي الاحتياجات الأساسية للمواطنين والسوق المحلي.

بالإضافة إلى المنح المالية، يمكن لأصحاب المصانع البحث عن معدات صناعية مستعملة من الأسواق الدولية. بعض الدول تقدم هذه المعدات كهبات للمناطق المتضررة، بينما يمكن استيرادها بأسعار منخفضة عبر مؤسسات وسيطة أو شراكات مع جمعيات صناعية في تلك الدول. يمكن التواصل مع الغرف التجارية والصناعية في دول مثل ألمانيا، الصين، والهند، حيث تمتلك هذه الدول فائضًا من المعدات المستعملة ذات الكفاءة العالية.

التواصل مع السفارات والمؤسسات الأجنبية العاملة في السودان هو خطوة أساسية للحصول على دعم ملموس. السفارات يمكنها تسهيل الاتصال بالموردين الدوليين أو المنظمات غير الحكومية التي تهتم بدعم الاقتصاد في المناطق المتأثرة بالحروب. في ذات الوقت، يمكن استخدام المنصات الإلكترونية للبحث عن شركات أو أفراد يرغبون في التبرع أو بيع المعدات بسعر مخفض. بعض المواقع تقدم خدمات للربط بين الصناعات المتضررة والموردين العالميين.

لضمان نجاح هذه الجهود، يجب أن تُدار العملية بمنهجية واضحة ومهنية عالية. تشكيل لجنة من الاتحاد كما أسلفنا تضم خبراء في التفاوض والاقتصاد، تعمل كوسيط بين المصانع المتضررة والجهات المانحة، سيكون مفتاح النجاح. هذه اللجنة يمكنها تنظيم جلسات تعريفية تعرض حجم الضرر وتأثيره على الاقتصاد المحلي وأهمية الدعم المطلوب في تحقيق تعافٍ حقيقي.

الأمل في إعادة بناء القطاع الصناعي ليس بعيد المنال، ولكنه مرهون بالإبداع في البحث عن الموارد وإظهار الالتزام بإعادة بناء الاقتصاد من جديد. عندما يرى المانحون والموردون مدى جدية وتعاون الصناعيين، سيكونون أكثر استعدادًا لدعمهم في هذه الرحلة الصعبة.

 صناعة الأمل تتطلب الشجاعة والإبتكار، وقطاع الصناعة السوداني قادر على النهوض بجهود جماعية وخطط مستدامة.

إعادة بناء القطاع الصناعي تتطلب أن يتبنى الاتحاد دوره الطبيعي كرأس الحربة في هذه المهمة، مستفيدًا من الدعم الجماعي لصناع القرار الذين يشكلون هذا الاتحاد، في طريق التحرك نحو المستقبل بشكل عملي ومستدام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى