
بالتأكيد أن العنوان هو موضوع حكاية من حلتنا التى تعرف الكثير عن مدينتا الصامدة الأبيض أو كما يحب أهلها بأن تزدان بإسم (عروس الرمال) أو (أبو قبة فحل الديوم) وهى مدينة تشبه بقية مدن السودان المختلفة بيد أنها تتفوق عليها بأن إنسانها إجتماعى دون منازع فهو مشاركا الآخرين فى أفراحهم وأتراحههم لايتغيب مهما كانت ظروفه مالية أو صحية تجده سباقا لكشف الزواج أو العزاء يقدم ماعنده من مال بسخاء حتى تظن أن من يساهم فى كشفه من الأقارب لتكشف أنه واحدا من المئات يساهمون من أموالهم دون أن يطلبوا شكرا أو تقديرا ، فهكذا علمتهم مدينتهم بأن من يصنع المعروف سيجد مكافأته من الله سبحانه وتعالى ، فهم لايترددون فى إغاثة الملهوف أو طالب العون والمساعدة ، هنا لاقبيلة ولاحى ولامهنة فالكل أهل المدينة التى تفاجأ من يزورها لأول مرة بتواصلها الإجتماعى وتكافلها وتعاونها فى كل الأوقات ، وياله من تكافل وتعاضد جعل الكثير من أهلها متمسكون بعدم مغادرتها حتى فى أحلك ظروف حرب الخامس عشر من أبريل من العام ثلاثة وعشرون وألفين فهى المدينة التى فرض عليها حصارا إقتصاديا وإجتماعيا وعسكريا من قبل المليشا.
وهاهى عروس الرمال تصمد فى وجه ذلك الحصار الجائر بوحدة وقوة وتماسك أهلها بصورة تدعو الى الأعجاب الفخر بما فعلوه من تحمل يفوق الوصف إلا لمن عاش العامين الحالكين بداخليها ، ورأى بعينه وسمع بإذنيه من الأحداث الجسيمة التى ظلت تتحملها المدينة بأهلها بصبر وعزيمة لم تلن ولم تنكسر بل كان الناس يواجهونها بالمزيد من التعاون والتكاتف وسد الثغرات التى قد تسبب ما لايحمد عقباه ، وكم من المرات حاولت المليشا الدخول إلى المدينة بمختلف الإتجهات لكنها وجدتها عصية على الدخول بل هلك بعض قادتها بنيران (الفرقة الخامسة مشاة) أو كما يسميها أهل العسكرية والمدنيين ب(الهجانة أم ريش ساس الجيش) حيث تحملت كل أشكال الهجوم والإشتباكات عرفانا لأهلها وذودا عن حياضها الذى جرت محاولات كثيرة للإنقضاض عليه من قلب المليشا التى خربت خارج المدينة كأنها تريد أن تقول للهجانة سنخرب مدينتكم التى تدافعون عنها ولن نتركها حتى تنكسر عزيمتها ، إلا أن أحد جنود الهجانة حدثنى قبل أكثر من نصف عام قائلا : بأننا عقدنا العزم نحمى عروس الرمال ولانترك مجالا للمليشا بتدنيسها مهما كلفنا ذلك الأمر ، وهاهم قد صدقوا فى حمايتها إلا أن إلتحموا مع متحرك الصياد فى جبل كردفان وهو بوابة المدينة الشرقية الذى كان رمزا للهجانة بوجود معسكر تدريب الهجانة بالقرب منه .
وأهل عروس الرمال عانوا أشد المعاناة خلال العامين الماضيين إنقطاع دائم ومتواصل للكهرباء وشبكة الإتصالات ومياه الشرب وتوقف أغلب الخدمات الصحية والتعليمية وغلاء المواد الغذائية والوقود وتوقف حركة النقل والمواصلات بين المدينة والمدن الأخرى بوجود المليشيا بالطرق القومية ومنها طريق الأبيض كوستى والأبيض بارا أم درمان والأبيض الدلنج كادوقلى والأبيض الفوله والأبيض النهود الفاشر ، مما ساهم فى زيادة الأسعار بصورة أقرب للخيال ، وإنقطاع حركة تنقل المواطنين بينها وبين المدن الأخرى حيث أصعب السفر مخاطرة بالنفوس والعروض والأموال والممتلكات ، فالقادم إليها والخارج منها لايمكن التنبؤ بحالهما لأن الطرق أصبحت غير آمنة ، حتى من هو داخل المدينة لايضم سلامة نفسه وماله وممتلكاته لأن التدوين العشوائى أصبح مألوفا لهم وضحايها بالجملة ، ورغما عن ذلك كانت المدينة وأهلها ملجاءا لطالبى العلاج لصعوبة العلاج فى المدن التى حولها ، وكذلك السفر الى خارجها خاصة الولاية الشمالية ودولة ليبيا ، أو حتى طلاب الشهادة السودانية المؤجلة حيث كانت هى مركزهم الوحيد للجلوس للإمتحان الذى إستطاعت أن تنجح فى تأمينه الى نهايته، فلامناص إلا بروكب هذه المخاطر لتصل الى عروس الرمال لتغادرها الى وجهتك التى تريد أو تتوجه الى أحد الأطباء فى عيادته أو مشفاه لتشكى مابك من علة جعلت تخاطر بروحك لتصل إليه ، وهكذا رغم كل هذه المخاطر تزينت عروس الرمال بأهلها وبدأت الخدمات تعود إليهم رويدا رويدا وأصبح الطريق بين كوستى والأبيض سالكا إلا من بعض الأحداث التى وقعت فى المنطقة الواقعة بين الرهد وجبل أبو الغر ، لكنها ستجد العالجة ولن تكون سببا لتوقف حركة النقل من والى عروس الرمال.