أخبار
أخر الأخبار

حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن   حكاية من أيام الحرب (4)

 

 

لم تكن حرب الخامس عشر من أبريل من العام قبل الماضى التى شهدنا شهورها الأولى فى عاصمة البلاد الخرطوم ، مثل غيرها من الحروب التى إندلعت شرارتها الأولى فى عدد من عواصم الدول العربية ، وذلك بأن حرب الخرطوم إستهدفت الأحياء السكنية لسكان العاصمة بعد إستهدافها لمقار الجيش السودانى ، فكان المواطن هو ضحيتها الأولى بلا منازع فكانت الهجرة الى خارج العاصمة هى أول الحلول التى لجأ إليها العديد من المواطنين ظنا منهم بأن الحرب لن تستمر طويلا وسيعودون الى منازلهم خلال وقت وجيز ولم يكن فى خلدهم أن بيوتهم وممتلكاتهم ستكون هدفا مشروعا للمليشيا وإتخاذها مساكن ومقار ومخازن وسجون بل وحتى سرقتها وتخريبها بطريقة إنتقامية لم تستوعبها العقول فكأنما المواطن هو العدو الأول الذى يستحق مثل الإعتداءات التى تبدأ بإخراجه من منزله أو قتله أو أسره وإحتلال منزله ونهبه والعبث بممتلكاته ، فيا لهول تلك الكارثة التى ألمت بالمواطنين فى العاصمة ومن بعدها المناطق التى سيطرت عليها المليشا فضحايا الحرب فاقوا جميع التوقيعات حتى أولئك الذين لم يشهدوا تلك الكوارث تأثروا بروايات من كان شاهدا عليها ، فحكايات الحرب لم تترك بيتا فى بلادنا السودان إلا دخلته وأوجعت أهله وأدمعت أعينهم وأحزنت قلوبهم ، إلا أن أغلب الناس بثت حزنها وشكواها الى الله تعالى ليقتص لهم من الظالمين الذين لم تأخذهم رحمة ورأفة بالصغار والكبار والضعفاء والمرضى من النساء والرجال بالتنكيل والشتائم والسباب أحيانا والقتل والإصابات والأسر والإعتقال والإختطاف والسبئ أحيانا أخرى .

 

ونعود ونقول أن مصطلح (الهدنة) الذى أستخدم عند بداية الحرب لم يكن إلا وبالا على الجميع فقد أحتلت المقار والأعيان المدينة ومنازل المواطنين من قبل المليشيا وانتشرت ظاهرة السرقات أو (الشفشفة) وهو أسوأ مصلح إتخذ فى أثناء الحرب وجرى كثيرا على ألسن الناس ، ولولا أن كتابته ضرورية للتعريف بسوءاته لما كتبه فى هذه الحكاية فهى سرقة مكتملة الأركان تعاقب عليها الشريعة الإسلامية كما ورد فى كتاب الله عز وجل إذ يقول الله تعالى :(والسارق والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) آيه (٣٨) سورة المائدة ، فهنا حكم واضح لا لبس فيه ولا غموض فيه وهى آية من آيات الحدود فحكم السرقة القطع إذا بلغ المال المسروق النصاب ، ورغم ذلك تجد من يروج لهذه السرقات المؤذية التى أضرت بالعباد كثيرا ، فقد إتخذ هؤلاء اللصوص أسواقا رائجة لمسروقاتهم أسموها إصلاحا ب(أسواق دقلو) إذ يرتادها السارق الذى يبيع والسارق الذى يشترى وكلاهما فى الجرم سواء وتباع فيها المسروقات بأخبس الأثمان التى لاتغنى سارقها ويقال والعهدة على الراوى أن بعض المسروقات لايتعدى ثمنها الألف جنيه وهى بحالة شبه جديدة .

 

وحقيقة أن حرب الخامس عشر من أبريل تأذى منها المجتمع السودانى كثيرا إذ ظهر أغلب الجيران فى الأحياء والمدن بمظهر غير الذى كانوا عليه قبل قيام الحرب ، فهاهى المنازل تسرق والذى أرشد السارق هو ذلك الجار القريب منك فى الحى فهو يعرف تفاصيل حياتك كلها ، وهذه من أكبر الأخطاء التى وقع فيها أغلب الناس فكم من جار غير مؤتمن يعيش بيننا ملكناه أسرارنا صغيرها وكبيرها ، فلم يزجره زاجر ولم يردعه رادع لادين ولا أخلاق فقد تجرد من إنسانيته وبدأ وكأنه حيوان يبحث عن عشب يقتاته من الجوع ، ونسئ كل ما كان يقدمه له الجار من عون ومساعدة قد لا يحظى بها من أقرب أقرباؤه ويا للعار والخزى والندامة أيها الجار فستعض بنان الندم على ما فعلته من أفعال لا ترضى رب الناس وكأنك لم تسمع لحديث نبينا محمد صلوات ربى عليه وسلامه(مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وهى وصية عظيمة ضيعتها ببحث عن مال لاتستطيع جمعه مهما أوتيت من قوة لتملأ به خزينتك الخاوية بل على عكسها ستمتلأ صفحاتك بسيئات تسؤك يوم الحساب (يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم) اللهم سلم قلوبنا من كل بلاء ومكروه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى