من همس الواقع ..د.غازي الهادي السيد يكتب : تبا لكل خائن ومتآمر على وطنه
من همس الواقع: د.غازي الهادي السيد

يكشف الواقع المرير يومًا بعد يوم عن خيوط مؤامرة واسعة النطاق، تُحاك بخبث من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يُنظر إليها هنا كطرف يسعى للشر، وبواسطة مجموعة من العملاء والخونة المحليين. هؤلاء الأفراد ارتضوا لأنفسهم أن يقتاتوا على موائد داعميهم، مكتسبين مصالحهم من معاناة الشعب وذله، ومتاجرين بضمائرهم وولائهم لخدمة أجندة تخريبية تستهدف البلاد ومقدراتها.
إن خيانة الأوطان تمثل أدنى مستويات الانحطاط، ومن المؤلم حقًا الحديث عن بيع الوطن بثمن بخس في أسواق النخاسة العالمية. ويزيد من هذا الألم أن يأتي هذا الفعل الشائن من أبناء الوطن نفسه، الذين لطالما تاجروا بدماء وأعراض شعبه. لذا، فليخسأوا وليذهبوا غير مأسوف عليهم، فخيانة الأوطان جريمة لا تُغتفر. يقال بحق: اخسر ما شئت، ولكن إياك أن تخسر وطنًا عشت فيه بكرامة وشعرت فيه بالأمن والأمان، فالأوطان كأحضان الأمهات لا تُعوض أبدًا، وخيانة الوطن أشد مرارة من طعنة العدو.
لا يوجد أسوأ أو أحقر ممن يبيعون أوطانهم مقابل حفنة من المال، يسبحون بحمد من يدفع لهم ليرضى عنهم على حساب وطنهم الذي جعلوه ينزف بسبب عمالتهم وغدرهم. لقد كانوا سببًا في تعميق جراحه، وأوردوه موارد الهلاك، واتخذوا الغدر والمكر والخداع وسيلة لتحقيق أهدافهم الدنيئة. فليبتعدوا عن ذلك، فأحقر الناس من يعاون الأعداء على تدمير وطنه، ويرقص فرحًا على جثث أبنائه، ويتلذذ بتعذيبهم، ويدافع عمن يخربون منشآته، غير مكترثين بتحويل وطنهم إلى خراب أو بقتل ومعاناة شعبه، بقدر ما يهمهم إرضاء من يدفع لهم وتحقيق أغراضهم التي تكشف عن وقاحتهم وزيف وطنيتهم وعدم انتمائهم الحقيقي.
من تآمرهم وكيدهم اشتعلت نار الحرب في البلاد، والتي صرحوا بإشعالها كخيار بديل للإطار السياسي، لتنطلق شرارتها معلنة بداية الخيانة وطعن الوطن غدرًا. تلت ذلك هذه الحرب الدائرة رحاها حتى الآن بمليشيات ومرتزقة قتلوا وهجروا وأذلوا وعاثوا في الأرض فسادًا، حيث كانت تلك الشرذمة من الخونة تمثل لهم الغطاء السياسي، تتحدث باسمهم وتدافع عنهم وتبرر أفعالهم الشنيعة. فالشعب يُقتل وهم يبررون لقتله، والحرائر يُغتصبن وهم يجدون الأعذار، وقد ضُربت معسكرات النازحين ودُمرت منشآت خدمية وتحولت مستشفيات إلى ثكنات عسكرية وهُجرت قرى وحوصرت مناطق كثيرة ووقعت مجازر، وقد صمتوا عن إدانتهم ولم ينبسوا ببنت شفة ضد هذه المليشيا، بل نادوا بحظر الطيران وتدخل المجتمع الدولي لحماية عسكرية دولية في السودان. لقد فعلوا كل ما بوسعهم من خيانة وغدر، ولم يتركوا سفارة أو دولة إلا وسافروا إليها لهزيمة دولتهم وقتل وتهجير الشعب، إلا أنهم يجهلون أو يتناسون حقيقة أن هذا الجيش الذي يتآمرون عليه محمي بإرادة شعبه.
عندما شهدت بعض ولايات السودان التي كانت تحت سيطرتهم مجازر في قراها ومدنها التي استهدفتها المليشيا، خرج علينا الجناح السياسي للمليشيا كعادته ليقول إن كل من حمل السلاح دفاعًا عن نفسه يعتبر هدفًا للمليشيا. وعندما احتلت المليشيا بيوت المواطنين، كانت هذه الشرذمة تؤيد ذلك وتخرج بتصريحات مثيرة للاشمئزاز رضا بما تفعله المليشيا وتبريرًا لعدم خروجهم والبقاء فيها، حيث كانت تصريحاتهم تدور حول أن قوات الدعم السريع لا يمكن أن تخرج من بيوت المواطنين. فقد صرح يوسف عزت قائلًا: “نحن لا نتحصن في المنازل، نتحصن من ماذا؟ والحديث عن تحصننا فيها لتجنب الطيران غير منطقي وغير صحيح، والغرض منه هو تبرير قصف المنازل بزعم تواجدنا فيها”. أما زينب الصادق المهدي فقد بررت عدم خروج الدعم السريع من المنازل بقولها: “قصف الطيران هو الذي أدخل الدعم السريع إلى البيوت، إذا أردت أن تُطاع فأمر بالمستطاع، وإذا أردتم منهم أن يخرجوا منها أوقفوا قصف الطيران”. أما رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر فكان يتشدق بقوله: “على الجميع أن يدركوا بأن الخروج من بيوت الناس مرتبط بإيقاف الحرب التي دفعتهم للاحتماء بالبيوت”. كما صرح خالد عمر يوسف بقوله: “إعلان جدة يتضمن بنودًا كثيرة غير إخلاء المنازل، والجيش لم ينفذ ما يليه منها، وبالتالي لا صحة لتصوير الأمر وكأن الدعم السريع وحده هو الذي لم ينفذه”. أما ياسر عرمان فقد كان يصرح ويقول: “قضية الخروج هذه مجرد مزايدة، والخروج من منازل الناس يتم في إطار متكامل لحماية المدنيين، ومن ذلك إيجاد قوات تفصل بين الطرفين”.
هذه أمثلة لبعض من ينشدون نشر الديمقراطية الزائفة في البلاد، فأي حقد هذا على المواطن! لتأتي كلمة الفصل من قواتنا المسلحة التي قضت على ما كانوا به يتشدقون، ولتقمهم حجرًا بنصر مؤزر لبواسل قواتنا بتحرير معظم المناطق التي كانت تسيطر عليها مليشياتهم، حيث تمت هزيمتهم ميدانيًا ودبلوماسيًا.
وعندما هُزمت مليشياتهم وتم تحرير معظم الولايات وهرب قادة المليشيا وجنودهم، حاولوا خيانة إنشاء حكومة موازية، حيث حشدوا لها أغلب رؤساء دول الجوار الذين تم شراؤهم بثمن بخس، ليؤول ذلك إلى فشل يضاف إلى فشلهم المستمر. فأي انحطاط وأي خيانة ووضاعة وصل إليها هؤلاء العملاء في تحالفهم مع دولة الشر والمليشيا ضد وطنهم! إنه العار نفسه. وللأسف، فإن بعض هؤلاء الخونة، قادة أحزاب وبعضهم من المثقفين والإعلاميين، يعملون على طمس وتزوير الحقائق عبر غرف إعلامية مُعدة لهم من قبل الدولة المتآمرة لتضليل الرأي العام وزرع الفتن بين أفراد المجتمع، لتكون بضاعتهم كاسدة ومردودة عليهم بوعي المواطن وفهمه لمخططاتهم وحجمها، مما جعل كل الشعب مع جيشه في خندق واحد ضد كل خائن وعميل وضد الخارجين عن القانون وضد المليشيا المأجورة وضد كل من يعبث بأمن وسلامة الوطن والمواطن.
فحق ما قيل حين تبكي الأوطان متألمة من أوجاعها لا يبكي معها إلا الشرفاء، وعندما تواجه الأوطان عدوانًا خارجيًا تتوحد الإرادة الوطنية وتصير المعارضة في خط الدفاع صفًا واحدًا مع قواتها، وتصير الأحزاب وقادتها وإعلامها ذودًا عن الوطن ومكتسباته بكل ما يملكون من وسائل دفاعية، كما حصل ذلك في التصعيد بين باكستان والهند حيث توحدت المعارضة الباكستانية مع جيشها وحكومتها دفاعًا عن الوطن لتعود الأرض والمكتسبات التي عليها يتفقوا أو يختلفوا فيما بعد، هكذا الوطنية يا من خنتم وطنكم وصرتم رمزًا للخيانة، فالشعب لا يرحمكم والتاريخ لا يرحم الخونة والعملاء والمنبطحين والمحايدين في وقت لا يقبل المواقف الرمادية، كما أن التاريخ يسجل فالمواقف كذلك تُحفر في الذاكرة قبل أن تُدون في الصفحات، فإذا جامَلْتَ على حساب وطنك فأنت تتنازل عن شرفك.