كتاب واراء

عايدة حسب الله محي الدين تكتب: قصة مدينة

مساحة حرة : عايدة حسب الله محي الدين

هي ليست ككل المدن.. وإنما هي عروس النيل.. أرض الحضارات.. والملوك.. من نسل تهارقا وأماني ريناس وأماني شاخيتو اتينا لنعلن للدنيا اننا اصل الحضارة والبشرية والتاريخ..
كل الشواهد تؤكد ذلك ولا يوجد من ينتقص من قدر وطني الصغير..
هي ليست مدينة عابرة في تاريخنا بل هي تاريخنا نفسه.. هويتنا وعزنا وفخرنا ومجدنا… كانت عروس النيل والتي وئيدت بايد غادرة ابان حكم عبود من ستينات القرن الماضي.
مدينة تاريخية عريقة اغرقت بكل ارثها وحضارتها وأهلها الرافضين للهجرة القسرية.. والمهجرين تحت تهديد سلاح الاغراق ، لم يلتفتوا لقاطني تلك الأرض ولم يستشيرهم احد بل كانت ذبح او كبش فداء لرغبات ملوك ذاك الزمان ورؤساء لايعنيهم أمرنا ولا جذورنا ولا امتدادنا ولاحتى وشيجة ارتباطنا بتلك البقعة الطاهرة.
وفي يوم مشؤوم تم اغراقها فقد كانت اتفاقية مياه النيل ان تخلى تلك الرقعة من الحياة تماما لافراغ ماء السد.. فكانت حلفا هي الفداء.
تمت صفقة بيع ارضنا تحت زخم الموائد و َالمصالح ولم يعر رئيس الدولة انذاك مدى أهمية هذه المدينة التي تضاهي أجمل مدن العالم الان من حيث العمارة والميناء البري والبحري ومطار ومباني بنيت على أحدث طراز.. ومحافظة ومكتب بريد وفنادق ومباني ونخيل ومجد تليد.. كل هذا انتهى بجرة قلم وامضاء خانع من الرئيس عبود ارضاء لجمال عبد الناصر.. فاغرقت روح اهلي قبل الديار .
وحزن عميق خيم على سماء المدينة الغارقة والتي صمد فيها فقط مئذنة المسجد ومازالت حتى الآن على سطح بحيرة ناصر شاهدا على جريمة الاغراق.
أكثر من نصف قرن من الزمان مضى على هذه البيعة الخاسرة وتهنا بعدها في اصقاع الأرض.. ومن بقى هناك رافضا للتهجير جعل من قمم الجبال سكنا له وهي مدينة وادي حلفا اليوم .
اما من قتلته الحسرة فقد مات مع أرضه اغراقا ،وكأن الأرض رفضت اقتلاعه منها وكذلك هو فكم من مات غرقا ووجعا وهو يشاهد منزله تغرقه المياه بلا هوادة ولا رافة،
وقاوم اهلي القرار كثيرا الا انهم لايملكون سلاح حتى يدافعوا عن أرضهم لطبيعة اهلي المسالمة التي ترفض الحرب وتوابعه والتاريخ يشهد ان لاحرب ولاجريمة قامت هناك والسجن الوحيد الذي اقيم هناك ظل فارغا الا من سجين واحد وهو ليس من سكان أهلها وهو البطل المناضل عثمان دقنة الذي سجن هناك ابان الحكم الثنائي ودولة المهدية.
والشاهد على سماحة اهلي وحبهم للخير والغير ان الكاتبة العالمية اجاثا كريستي كانت تعاني من اكتئاب حاد فنصحها صديقها الطبيب بالسفر الي وادي حلفا للاستجمام والنقاهة فما كان منها الا وان حضرت فاعجبت ايما إعجاب بالنظافة والتطور هنا.. وحاولت كتابة روايتها المشهور جريمة في وادي النيل.. الا انها عدلت من الاسم قائلة هذا خطأ فهذه الأرض هادئة وأهلها مسامحون للحد الغريب ولايوجد فيها حرب ولا جريمة مما يعدتزييف للواقع ان كتبت هذا الاسم فاجرت تعديلها.
ومن اضطرته الظروف الهجرة فقد هجروا إلى أرض لاحياة فيها ولاتصلح اصلا للحياة، ملئية بالثعابين والعقارب ولا حياة فيها البتة.. الا وان صمود اهلي الحلفاويين كان أكبر فحولوا الأرض إلى حياة وزراعة وعمران فصارت حلفا الجديدة موطن وليس وطن والفرق شاسع بينهما.
ومن بنود تلك الاتفاقية ان تغطي حاجة الولاية من الكهرباء وان يكون التعويض بقدر الخراب.. الا انه وكطبيعة مثل هذه الاتفاقيات لم ينفذ منها شيء..
وبقيت وادي حلفا تقبع في الظلام برغم من انها مدت بارضها لتنير شمال الوادي الا ان جل أركان الاتفاقية راح كما راحت حلفا بقراها منها ارقين قريتي الجميلة وعروس مدينة حلفا .
لسنين عددا ظلت وادي حلفا خرابا الا ان من رفض التهجير نحت في الصخر وكون المدينة وصارع وقاتل حتى تغمر من جديد.. الا مشكلة الكهرباء مازالت هاجسا يغض مضجع اهلي خاصة وانهم اختاروا مكانا بعيدا من النيل لتحكم مصر في غلق وفتح قناة السويس مما يهدد أهالي المنطقة جنوب السد الاغراق في اي لحظة شاءت..
وبعد جهد اتفاقيات كثيرة تمت انارة الوادي الا ان مشكلة مياه الشرب كانت ماثلة فامداد الكهرباء كان فقط لثلاث ساعات في الأسبوع مرتين فقط تستخدم فيها كل مهاراتك لتقي نفسك شح المياه بتخزين أكبر قدر منها..
اي ان الكهرباء ليست رفاهية كما هاج الآخرون وماجوا حينما طالب اهلي بإيقاف برمجة الكهرباء فهي عصب الحياة لارتباطها بالماء المعين الأساسي للحياة..
فعندما خرج اهلي منددين بالبرمجة ومطالبين بحقهم الطبيعي في الحياة.. كهرباء من أجل تدوير طرمبات المياه وليس طرمبات المكيفات.. والمياه من أجل الشرب وهو الحياة.. لذا حينما توجه صوت لوم او تلوك في حديث تريث اولا واستوثق ثانيا واعرف لما خرجت الالاف مطالبة بذلك.
الحرب قامت ليست بأيدي اهلي ، وان لم تتعرض الشمالية لويلات الحرب فهي تعرضت اوت النازحين ونحن على راسهم ونزح إليها ملايين البشر.. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فقط نقول من حقنا ونحن ظللنا لأكثر من نصف قرن نعاني من اغراق ارضنا ودفعناها مهرا من حقنا ان ننعم بمياه الشرب والنيل يشق اراضينا فاي حديث تفترون..
حلفا كانت ومازالت مسالمة.. لاتجري وراء لهاث الحياة فقط دعوا حلفا تعيش في سلام ومرحب بكل اهلي في السودان.
حلفا جزء أصيل من الوطن الكبير فمن حقها ان ناويها بحنو الأمهات..
الحمد لله الاتحاد والصمود ياتي بالحق..
شكرا اهلي بوادي حلفا للتعاضد والتماسك من أجل الحياة.
عايدة حسب الله محي الدين.. حلفا.. ارقين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى