
في خضم الفوضى التي تعيشها البلاد، وفي لحظة تاريخية صعبة تمر بها الرياضة السودانية، يخرج علينا اتحاد كرة القدم بسلوك لا يمتُّ للروح الرياضية، ولا حتى للمسؤولية الإدارية، بأي صلة. سلوك يبعث على الأسى، بل ويجعلنا نقف حائرين أمام مشهدٍ عبثيٍّ يصعب تبريره.
ما يُثير الغضب حقًا هو لجوء الاتحاد إلى أساليب الضغط الملتوية، ومحاولة ليّ ذراع مجلس إدارة نادي المريخ – أحد أكبر وأعرق أندية السودان – من خلال التهديدات المبطنة، والرسائل التي تُرسل من خلف الكواليس وتحت الطاولات، بأن الاتحاد “قادر” على نزع شرعية المجلس الحالي، مستندًا إلى الظرف الاستثنائي الذي تعيشه البلاد بسبب الحرب، والتي حالت دون قيام الجمعية العمومية وانتخاب مجلس جديد.
الخطورة في هذا الأمر لا تكمن فقط في التهديد بحد ذاته، بل في العقلية التي تقف وراءه. كيف يمكن أن يسمح اتحاد من المفترض أن يكون راعيًا عادلًا ومحايدًا للعبة بأن ينخرط في مثل هذه الأساليب؟ كيف تُدار المؤسسات بهذه الذهنية التي توظف السلطة – المؤقتة أصلًا – كوسيلة للتخويف والابتزاز المعنوي؟
الرسائل التي وصلت إلى إدارة نادي المريخ – وإن لم تكن رسمية – واضحة المعالم، وتحمل في طياتها ضغوطًا من نوع جديد، بعد أن استشعر قادة الاتحاد نية لدى إدارة المريخ باتخاذ موقف واضح من المشاركة في ما يُسمى بـ”دوري النخبة”، وكذلك تحركاتها الجادة لملاحقة مستحقات النادي المالية الموجودة بطرف الاتحاد، والتي تسلّمها الأخير من الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف).
من الطبيعي أن يتساءل البعض: كيف يمكن لاتحاد رياضي أن يستخدم هذه الوسائل ضد أنديته؟ لكن من يتابع سلوكيات الاتحاد في السنوات الأخيرة، وتحديدًا في عهد الأسماء الحالية التي تتصدر المشهد، فلن يُصيبه الذهول؛ فقد بات هذا النمط جزءًا من الثقافة الإدارية السائدة داخل أروقة الاتحاد، التي تقوم على التسلط وفرض الهيمنة على الأندية، بدلًا من دعمها وحمايتها في ظل هذه الظروف الصعبة.
والمؤسف أكثر أن هذا يحدث في وقتٍ أحوج ما تكون فيه الكرة السودانية إلى لمّ الشمل والتكاتف والتضامن بين كافة الأطراف، بدلًا من التلاعب بمصير نادٍ جماهيري مثل المريخ، يمتلك قاعدة جماهيرية لا يُستهان بها، وتاريخًا ناصعًا في خارطة الكرة السودانية والإفريقية.
ندرك تمامًا حجم التحديات التي يواجهها مجلس إدارة نادي المريخ، من غياب للشرعية الانتخابية بسبب الظروف القاهرة، إلى صعوبات مالية وإدارية، ولكن ذلك لا يُبرر بأي حالٍ من الأحوال هذا التغوّل السافر على استقلاليته، ولا يُعطي مبررًا لأحد – مهما كانت صفته – بأن يستغل الوضع لفرض أجندته بالقوة أو التهديد.
كل ما نرجوه من مجلس إدارة نادي المريخ هو الثبات على الموقف، وعدم الرضوخ لهذه التهديدات الرخيصة، لأن من يتنازل اليوم تحت الضغط، سيُجبر على التنازل غدًا بلا ضغط.
هذه التهديدات، إن دلّت على شيء، فإنما تدل على ضعف الاتحاد نفسه، لا على قوته؛ إذ إن المؤسسات القوية لا تلجأ إلى أساليب الابتزاز والتهديد، بل تفرض احترامها من خلال الشفافية، والعدل، والاحترام المتبادل بينها وبين أنديتها.
ختامًا، فإن الكرة السودانية لن تتعافى ما لم يتم اجتثاث مثل هذه العقليات من مواقع اتخاذ القرار، ولن نصل إلى كرة محترفة وحديثة، طالما أن مبدأ “ليّ الذراع” هو السياسة الرسمية في إدارة اللعبة.
وما خفي أعظم..
نقلا عن آكشن سبورت