د.محمد سيد عبد المؤمن يكتب:. تكامل الصناعة والتجارة : صدق الهدف وتحقيق (الأمل)

قضية دمج الصناعة والتجارة في وزارة واحدة لا ارى فيها مشكلة ،، انه صدق الهدف نحو قيمة مضافة و تنمية اقتصادية مستدامة و(أمل) مرتجى .. بل اجد فيه فائدة كبيرة جدا من خلال تدوير مداخيل التجارة في خدمة الصناعة .. طبعا والكل يعلم ان التجارة الخارجية والصادرات والواردات مبنية على فكرة الميزات النسبية والمقارنة والتفضيلية .. وجود وزير واحد للصناعة والتجارة مندمجة يخدم فكرة تحديد ما يجب ان نصنعه وما يجب ان نصدره كخامات من اجل تحقيق اهداف استراتيجية او تكتيكية محددة ..
فائدة دمج الصناعة مع التجارة
الأمر في تقديري يبدأ بشخصية الوزير المهنية المختارة ،. والتي سوف تلعب دورا مهما في التنسيق بين ما يجب ان يصنع وما يجب ان يصدر وفق استراتيجية لها ميل تجاه فكرة (كل المنتجات المستخلصة في السودان يجب اضافة قيمة لها .. الا ما يصعب) .. وهنا نجد ان منظور القيمة المضافة وعملية التصنيع تتطلب تكامل بين مجموعة منظومات وهي وزارة الزراعة وزارة الثروة الحيوانيه/السمكية والمواصفات والمقاييس .. علينا ان نعلم ان اس الصناعه في السودان تحويلي ويعتمد على الزراعة بمفهومها الشامل للنبات والغابات والثروات الحيوانيه والسمكية ..
لذلك في وجهة نظري حتى وجود وزارة صناعة منفصله عن التجارة ليس محصلة تلقائية عن نجاح التصنيع في السودان .. الأمر يحتاج تكامل كل المؤسسات الأصيلة في المعادلة .. ولكن في رأي المتواضع دمج الصناعة والتجارة يمكن ان يكون مكسب كبير .. ويبقى الأهم قدرات الوزير القادم والأهم من الوزير قدرات الوكلاء ورؤساء الإدارات القادمون في صياغة رؤية واهداف وبرامج واستراتيجيات واستنطاق الوسائل لتحقيق ترقية الصناعة والقيمة المضافة وتعظيم دورها في النمو والتوظيف والأستفادة من الميزات المختلفة لأقاليم السودان وجغرافيته ..
ولكن ….
ارى ان المشكلة ليست في اسم المؤسسة وانما الوظائف functions المتوقعة من هذه المؤسسة هذا هو مربط الفرس .. قد تُنشيء وزارة للنسيج ووزارة لصناعه الزيوت ووزارة للصناعات الجلدية .. وتظل مؤسسات لا تستطيع انجاز مهامها لضعف بنوي وعجز ميزانية وغياب التنسيق اللازم مع الوزارات الأخرى الداعمة ..
ولا يمكن ان تقوم صناعه رائدة في السودان دون تكامل عضوي بين وزارة الصناعة والتجارة والزراعة والثروة الحيوانيه والمعدنية والإستثمار والمواصفات .. هذه الوصفة تحتاج الي (مايسترو) لإلزام وتفعيل هذا التعاون والتنسيق وفرضه ومتابعته .. نحن نعلم تماماً انه ليس كل منتج زراعي تمت زراعته وحصاده يصلح للصناعة !! منتج الصناعة يتم تحديده من البذرة الي طريقة الري ونوعية الأسمدة وكل هذه الإجراءات التي تعرفونها اكثر .. اذن لابد من التنسيق وتعويم الموارد المتاحة بين وزارة الزراعة والصناعة مثلا لتحديد المناطق والأصناف التي تنتج من اجل الصناعة و تلك التي تنتج من اجل التجارة ..
كذلك …
يجب ان ننظر ونسوِّق عملية التصنيع ليس فقط من وجهة نظر اقتصادية.. انما كقضية (أمن قومي) .. الصناعة كظاهرة حيوية حتى لو كانت في مجال محدود قد تؤدي حتماً الي توسيع دائرة الإبتكارات وريادة الأعمال .. وتخلق معينات بديلة وطنية المنشأ تحوطاً لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية .. هذه كفيلة بحماية الأمن القومي ..
الشيء الآخر ..
هنالك مفهوم في اقتصاديات التجارة الدولية والعالمية يشير إلى ان واحدة من دعائم وفلسفة التجارة الدولية والتبادل الإقتصادي هو (الإستقرار والسلام العالمي) بين الدول، اذ ان مصالح التبادل احياناً تمنع الإنزلاق نحو الحروب بين الدول .. اذن فالسودان من منظور مصالحه السياسية والإقتصادية يمكن ان يقبل بتصدير سلعه مختارة لدولة معينة في فترة محددة لضرورات جيوسياسية ..
هنالك كذلك reverse engineering .. يجب ان يكون محور دراسات وبحوث في ذهنية علماء الصناعة والإقتصاد في السودان .. والحديث عن هذا يحتاج الي نافذة اخرى .،
كنا ذات مرة في نقاش عن تكامل الأدوار بين (مؤسسات محور الصناعة) ان جاز لي هذا الوصف .. كنت اقول ان وزارة الصناعة يفترض ان تكون الجسم الإستشاري الأول فيما يتعلق بنوعية الآليات والمعدات التي تدخل البلاد .. مثلا اذا كانت وزارة الصناعة تقوم ببحوث وسط المزارعين بالشراكة مع وزارة الزراعة عن نوع تكنولوجيا الزراعة والري التي تتناسب مع وظائف معينة للمزارعين .. هذا يجعل لوزارة الصناعة ان تكون في موقع يسمح لها ان تعطي توصيات محددة عن ما يمكن ان يستورد وما يمكن ان يصنع محليا ببساطة .. (مثلا هل السودان يحتاج ان يستورد درداقة من اي دولة اخرى او كوريك وطورية؟) .. يجب ان تكون وزارة الصناعة ذراع بحثي واستشاري ليس فقط في التصنيع بل أيضاً في مدخلات التصنيع والتكنولوجيا .. قد يتطلب هذا تنسيق وتعاون عضوي مع مؤسسات التعليم العالي والفني والتقانة ومراكز التدريب الحرفي والمهني ومراكز تطوير الإدارة ..
في ظني كل ذلك ممكن بعزيمة الرجال والنساء في هذا الوطن المعطاء ..
نعم backward and forward linkages كمفهوم اقتصادي ..
ولكنه يحتاج ال configuration مؤسسي لكي ينجح .. لا يجب ان يترك بدون آليات ورؤى وسياسات واضحة محورها وزارة الصناعة ..
في تقديري النظام المؤسسي للخدمة العامة في السودان جيد جدا .. و الشيء الناقص هو مسألة المرتبات الأجر المجزي للكوادر حتى يطلب منها مزيد من العطاء ..
وهذا يجب ان يكون ضمن برنامج الإصلاح المؤسسي من اول وهلة ..
نخلص الي ان الصناعة والتجارة واجهتان لعملة واحدة هي التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد والعباد .
شكرا احبتي واساتذتي في (منبر الصناعة) صناع الإستشارة والرأي والإنارة الذين عبرهم استطعنا استرجاع مخزون الذاكرة لنكتب وسنكتب ان شاء الله ان مد الله في الأعمار لوطن يحتاج لرأي أبناءه المخلصين السديد في كافة مجالات الحياة لنتجاوز آثار الحرب المدمرة نحو اعادة التعمير والنهضة من جديد.