تحقيقات وتقارير

د. لبابة صالح في حوار مختلف .. اضطرابات ما بعد صدمة دمار الحرب في السودان

د. لبابة تدعو لتفعيل الطب النفسي في مرحلة التعافي من الخراب إلى الأمل

الدمار لا يُمحى من الذاكرة … كيف تعالج الصدمة النفسية بعد الحرب؟

نساء وأطفال في عين العاصفة… من يدعمهم نفسيا بعد النزوح؟

حاورها : نادر حلفاوي

في ظل ما خلفته الحرب من دمار واسع طال البيوت والمصانع والمتاجر، لا تقتصر آثارها على الجانب المادي فقط، بل تمتد لتضرب عمق الإنسان نفسياً وعاطفياً. وبين مشاهد العنف، الفقد، والنزوح، تبرز الحاجة الملحة إلى معالجة الجراح النفسية التي لا تُرى بالعين المجردة. 

في هذا الحوار الخاص، تفتح لنا د. لبابة صالح، اخصائية الطب النفسي، نافذة لفهم ما يعيشه السودانيون بعد الحرب، خاصة الفئات الأكثر هشاشة كالأطفال والنساء وكبار السن.

د. لبابة، خريجة كلية الطب جامعة الجزيرة وحاصلة على الدكتوراه السريرية في الطب النفسي من مجلس التخصصات الطبية السودانية، تسلط الضوء على اضطرابات ما بعد الصدمة، القلق، والاكتئاب، وتشرح كيف يمكن للمجتمع المدني والطب النفسي أن يلعبا دوراً محورياً في إعادة بناء الإنسان قبل الحجر. 

كما تتناول تأثير فقدان الممتلكات، وطرق التعامل مع مشاعر الفقد، وتقدم نصائح عملية للمرضى النفسيين والأسر في ظل غياب الخدمات الطبية.

هذا الحوار ليس مجرد تشخيص لحالة نفسية جماعية، بل دعوة صريحة لتفعيل دور الدعم النفسي في مرحلة ما بعد الحرب، وبناء مجتمع متماسك قادر على تجاوز المحنة ..فماذا قالت د. لبابة في حوارها الخاص مع أرتي ميديا؟

 * كيف ترين التأثير النفسي للحرب على مختلف الفئات العمرية في السودان، خصوصًا الأطفال والنساء؟

الحرب أثرت على جميع فئات المجتمع السوداني، وكل الطبقات الاجتماعيه لكن التأثير الأكبر كان على الفئات الأكثر هشاشة، مثل الأطفال والنساء وكبار السن. هؤلاء يتأثرون نفسياً بشكل أعمق بسبب ضعف الحماية، وقلة الموارد، والارتباط العاطفي بالأمان والاستقرار.

 * ما أبرز أنواع الاضطرابات النفسية التي ظهرت أو تفاقمت منذ اندلاع الحرب؟

من الصعب تحديد أنواع الاضطرابات بدقة دون إجراء دراسات ميدانية بعد انتهاء الحرب، لكن من المعروف أن الحروب ترتبط بانتشار اضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق، الاكتئاب. هذه الاضطرابات تنشأ نتيجة التعرض المستمر للعنف، الفقد، والخوف.

 * هل هناك فروقات في الاستجابة النفسية بين من عاشوا الحرب في المدن الكبرى ومن نزحوا إلى المناطق الريفية أو خارج البلاد؟

نعم، لكن تحديد هذه الفروقات يتطلب دراسات علمية دقيقة. الاستجابة النفسية تختلف حسب البيئة، الدعم الاجتماعي، والخلفية الشخصية لكل فرد. النزوح قد يكون عاملًا إضافيا للضغط، لكنه في بعض الحالات يوفر بيئة أكثر أمانًا مقارنة بالمناطق المتأثرة مباشرة بالحرب.

 * كيف تؤثر مشاهد العنف والدمار المستمر على الصحة النفسية الجماعية للمجتمع السوداني؟

مشاهد العنف والدمار تترك أثرا نفسيا عميقا، وتؤدي إلى أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، مثل القلق، الكوابيس، استرجاع الصور الذهنية المؤلمة، واضطرابات النوم. هذه المشاعر المكبوتة قد تتحول إلى غضب جماعي، وتنعكس على الصحة الجسدية بزيادة أمراض مثل الضغط والسكري، نتيجة التوتر المستمر وعدم التفريغ النفسي.

 * ما هي الآثار النفسية الناتجة عن فقدان المنازل والممتلكات الشخصية؟ وهل تُعتبر هذه الصدمة من نوع اضطراب ما بعد الصدمة؟

نعم، فقدان الممتلكات والمنازل يعد من الصدمات النفسية، خاصة لمن لديهم ارتباط عاطفي بهذه الأماكن خاصة لكبار السن، هذا الفقد من منازل أو اشياء تراثية او صور قديمة، يشبه فقدان شخص عزيز، ويؤدي إلى مراحل من الحزن، الغضب، والاضطرابات النفسية المرتبطة بالفقد، وقد يتطور إلى اضطراب ما بعد الصدمة.

 * كيف يمكن للنازحين التعامل مع مشاعر الفقد، خاصة عندما تكون ممتلكاتهم مرتبطة بذكريات عائلية أو تاريخية؟

أول خطوة هي الاعتراف بالحزن وعدم إنكاره. يجب أن نعيش مشاعر الفقد، ثم ننتقل تدريجياً إلى مرحلة القبول. بعض الناس استطاعوا تحويل المحنة إلى فرصة، وبدأوا حياة جديدة أكثر استقراراً من قبل الحرب ، وايضا هناك ايجابيات لبعض الافراد أو الاسر التي تحولت من الضغط في العاصمة الي قراهم ومناطقهم بالاضافة لتجمع الاسر بعد فراغ لسنوات طويلة وهناك من ذهب لمسقط راسه أو منطقته الاول الذي كان قد هجره ،المهم أن نكون منفتحين على التغيير، وننظر إلى الواقع بتوازن، لا بسوداوية ولا بتفاؤل غير واقعي. التوازن هو مفتاح تجاوز الأزمة.

* ما هي النصائح التي تقدمينها للمرضى النفسيين في ظل غياب الخدمات الطبية أو صعوبة الوصول إليها؟ 

أنصح المرضى بعدم التوقف عن العلاج، واللجوء إلى التواصل مع الأطباء عبر الوسائل الرقمية مثل الواتساب. كما يجب تجنب التعرض للمحتوى الذي يزيد من التوتر، والضغوطات النفسية والحرص على خلق بيئة آمنة قدر الإمكان. الرحمة بالنفس ضرورية في هذه المرحلة.

* كيف يمكن للأسر دعم أفرادها الذين يعانون من اضطرابات نفسية دون وصم أو خوف؟

الدعم الأسري يبدأ بالاعتراف بأن المرض النفسي لا يقل أهمية عن الأمراض العضوية. يجب توفير العلاج، والتواصل مع الأطباء، وتجنب الوصم أو الخوف. على المجتمع أن يتعامل مع المريض النفسي كما يتعامل مع مريض السكري أو الضغط، باحترام وتفهم.

 *هل هناك طرق بسيطة يمكن للناس اتباعها لتخفيف التوتر والقلق في بيئة مليئة بالخوف وعدم الاستقرار؟ 

نعم، أولًا يجب تقليل التعرض للمشاهد والصور التي تثير الخوف. ثانياً، خلق بيئة آمنة للأطفال، ونقل الأخبار الإيجابية والمطمئنة . ونقل الأخبار المفرحة انتهاء الحرب وانتصارات الجيش ،كما قال الرسول الكريم: “بشّروا ولا تنفّروا”. نشر الأمل مهم جدًا في مثل هذه الظروف.

 *ما دور المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية في توفير الدعم النفسي؟ وهل هناك مبادرات واعدة في هذا المجال؟

كانت هناك مبادرات بسيطة أثناء الحرب، مثل تقديم الدعم النفسي للنازحين وضحايا العنف. بعض الجمعيات الخيرية اهتمت بهذا الجانب، خاصة في حالات الاغتصاب. بعد الحرب، يجب تفعيل دور الطب النفسي والمجتمع المدني لتوعية العائدين، وتجهيز المستشفيات، وتسهيل الوصول إلى الأطباء، حتى لو عبر التواصل الرقمي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى