تحقيقات وتقارير

بحضور سعادة الوزيرة لولوة الخاطر و الشيخة المياسة بنت حمد .. جورجتاون تستضيف حواراً فنياً عالمياً حول السودان

الفن كنافذة للسياسة تسلط الضوء على مأساة السودان المستمرة بمشاركة نخبة من الشخصيات الثقافية والسياسية والفنية

 

الدوحة : نادر عبدالله عبدة 

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، حيث تتعثر الحلول السياسية وتتفاقم الأزمات الإنسانية، استضافت جامعة جورجتاون في قطر مؤتمراً فنياً عالمياً بعنوان “رؤية السودان: السياسة عبر الفن”، ضمن موسم مؤتمرات “حوارات”، بمشاركة نخبة من الشخصيات الثقافية والسياسية والفنية، وبحضور سعادة السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، وسعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، وسعادة الشيخ الدكتور عبدالله بن علي آل ثاني، رئيس مجلس إدارة المدينة الإعلامية.

* الفن كأداة مقاومة

امتد المؤتمر على مدار ثلاثة أيام، وشكل منصة غير تقليدية لتسليط الضوء على مأساة السودان المستمرة، من خلال الفن بوصفه وسيلة للتأريخ والمقاومة.

و في كلمتها الافتتاحية، شددت الدكتورة رقية أبو شرف، الأستاذة السودانية في جامعة جورجتاون، على أن “الشعب السوداني خاض معارك يومية من أجل البقاء، وأي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية تم تدميره بشكل منهجي”، مؤكدة أن المؤتمر يمثل محاولة لإعادة سرد روح الأمة السودانية عبر الفن.

 * جلسة رئيسية مؤثرة

في الجلسة الرئيسية التي أدارها عميد الجامعة الدكتور صفوان المصري، تحدثت الإعلامية زينب بدوي عن السودان بوصفه حضارة مستنيرة وقوة إقليمية كبرى، محذرة من طغيان القوى التي تحاول طمس هذا التاريخ. شاركها النقاش كل من الفنان خالد البيه، المؤرخ الفني الدكتور راشد دياب، والصحفية نسرين مالك، حيث كشفوا عن الفجوة بين الإدراك العالمي والواقع السوداني، مؤكدين أن الكارثة لا تقتصر على الدمار المادي، بل تمتد لتشويه الهوية والتاريخ والأمل.

 * مشروع ذاكرة السودان

 

من أبرز المشاركات، كانت مداخلة السيد وهبي عبد الفتاح عبد الرحمن، مدير مركز التوثيق والدراسات الإثنوغرافية بجامعة وادي النيل، الذي استعرض مشروع “ذاكرة السودان” الهادف إلى رقمنة التراث الثقافي السوداني. المشروع، الذي يقوم على شراكات داخلية وخارجية، يسعى لحماية الموروث السوداني من الاندثار، ويشارك فيه مساهمون من مختلف أنحاء البلاد.

 * الفن والسياسة: علاقة لا تنفصل

الدكتورة إيمان حسين شريف، المعالجة النفسية والمهتمة بأرشيف والدها الفنان حسين شريف، أكدت أن “الفن هو نبض الشارع والدولة”، مشيرة إلى أن الفنان يعكس صورة المجتمع ويعبر عن قضاياه. وتمنت أن يكون المؤتمر بداية لنقاشات جديدة حول مستقبل السودان، داعية إلى دعم الفن ليكون صوت الشعب وذاكرته الحية.

* الموروث الموسيقي والتضامن العربي

الموسيقية الفلسطينية هدى عصفور، التي شاركت في برنامج موسيقي خاص بالمؤتمر إلى جانب المغنية السودانية السارة، تحدثت عن أهمية الفن في الحفاظ على الموروث الثقافي، مشيرة إلى أن “السياسة تفرق والفن يجمع”. وقدمت مجموعة من الأغاني التراثية، من بينها أعمال للفنان السوداني مصطفى سيد أحمد، مؤكدة أن الفن قادر على خلق ترابط بين الشعوب وقضاياها، خاصة بين فلسطين والسودان.

 * الفن في المنفى

الفنان راشد دياب، مؤسس مركز راشد دياب للفنون في الخرطوم، تحدث بأسى عن الخراب الذي طال الحياة الثقافية السودانية بفعل الحرب، مشيرًا إلى أن المركز الذي كان منارة للحوار الفني أصبح اليوم رمزًا لفقدان البيئة الطبيعية للفن السوداني. دياب، الذي اضطر للعودة إلى إسبانيا، وصف تجربته بأنها “مقاومة في المنفى”، حيث يواصل حمل إرث ثقافي تعرض للنهب والتخريب.

 * الكاريكاتير كسلاح مقاومة

الفنان خالد البيه، المقيم في جورجتاون، اختتم الجلسات بتجربة بصرية ساخرة تكشف التناقضات السياسية والاجتماعية، مؤكدًا أن الكاريكاتير ليس مجرد تعليق، بل وسيلة للتذكير والمقاومة، وأن “الضحك ذاته قد يكون سلاحًا ضد التسلط”.

 * ختام بصوتين من الذاكرة

اختتم اليوم الأول بحفل غنائي مشترك بين السارة وهدى عصفور، حيث امتزج الصوت السوداني بالفلسطيني في لحظة تضامن فني عابر للحدود، أعادت فيها الأغنيات إيقاعات الثورة إلى الواجهة، لتصبح الفن أداة لرسم خريطة جديدة للتحالف العربي، قوامها الصوت والذاكرة وتحويل الألم إلى جمال.

* رسالة المؤتمر

ما جرى في مؤتمر “رؤية السودان” تجاوز حدود اللقاء الأكاديمي، ليقترح تصورًا جديدًا للفاعلية السياسية عبر الفن، في وقت يعيش فيه ملايين السودانيين في النزوح والحرمان. الفن هنا لم يكن ترفا، بل ضرورة، ووسيلة لإعادة كتابة المعنى في مواجهة النسيان الممأسس، وتخيل عالم أكثر عدلاً وإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى