أميمة عبدالله: العودة الطوعية انتصار للإرادة السودانية بدعم مصري رسمي وشعبي

الدستور : أرتي ميديا … في لحظة فارقة من تاريخ السودان الحديث، تتقاطع معاناة الحرب مع أمل العودة، ليولد مشروع “العودة الطوعية” كجسر بين النزوح والكرامة، المهندسة أميمة عبدالله، مدير المسئولية المجتمعية بمنظومة الصناعات الدفاعية ، رئيسة لجنة العودة الطوعية تكشف في حوارها مع صحيفة “الدستور” المصرية عن ملامح هذه التجربة الاستثنائية، حيث امتزج الدعم المصري بالتصميم السوداني، ليصبح الطريق من القاهرة إلى الخرطوم أكثر من مجرد رحلة عودة، بل إعلان عن انتصار الإرادة على الخراب، وبداية ميلاد جديد للسودان.
* بداية، نشكرك على وقتك. لماذا اخترتِ أن تركزي على قضية “العودة الطوعية”؟
أولًا دعوني أقول إن شكري لصحيفة “الدستور” هو شكر للإعلام المصري كله على اهتمامه بهذه القضية الإنسانية والوطنية. وعندما نتحدث عن العودة الطوعية، لا بد أن نعود قليلًا إلى الحرب نفسها، لأنها مختلفة تمامًا عن كل ما مرّ على السودان من قبل.
* ما الذي جعل هذه الحرب مختلفة برأيك؟
لعل أبرز ما يميزها أنها لأول مرة اندلعت في قلب العاصمة الخرطوم، وليس في الأطراف كالجنوب أو دارفور. الحروب القديمة كانت بين الحركات المسلحة والجيش أو الشرطة، لكنها لم تكن حربًا ضد المدنيين مباشرة. هذه المرة، وُجّه السلاح إلى الناس في بيوتهم، في مزارعهم، في حياتهم اليومية. الهدف المُعلن كان التهجير القسري والإحلال السكاني، أن تُطرد الأسر من منازلها ليحل محلها آخرون. فوق ذلك، شهدنا جرائم مروعة ضد النساء في الخرطوم والجزيرة لم تعرفها حروب السودان السابقة.
* كيف انعكس ذلك على حركة النزوح؟
مع سقوط الخرطوم، كان النزوح الأول داخليًا، نحو الجزيرة وأم درمان، حيث مناطق سيطرة الجيش. لكن بعد سبعة أشهر، حين سقطت الجزيرة، لم يعد أمام الناس سوى مصر. تدفق مئات الآلاف عبر المعابر، نظاميًا أو غير نظامي، حتى قُدِّرت الأعداد في موجة واحدة بمليون ونصف المليون. المصريون يعرفون تمامًا كيف استقبلوا أشقاءهم. الأسر السودانية في مصر رغم المعاناة لم تتوقف عن متابعة أخبار المعارك، تقدّم الجيش، انتصاراته. فكرة العودة لم تغب عن أذهانهم أبدًا.
* إذن، متى بدأت العودة الطوعية فعليًا؟
بعد تحرير الخرطوم والجزيرة، بدأ الناس يسألون: متى نعود؟ العودة كانت بالنسبة لهم أكثر من مجرد رجوع إلى البيوت، هي تثبيت للانتصار، فتح للبيوت المغلقة، تنظيف للمناطق المهجورة، والحد من الأوبئة. نحن رأينا المشاهد في المحطات: أسر كاملة تعود بفرحة غامرة، كبار سن يبكون، شباب مفعمون بالأمل، أطفال يضحكون رغم أن البيوت التي سيعودون إليها بلا أساسيات، بلا كهرباء، حتى بلا أبواب. لكن مجرد كلمة “نحن راجعون السودان” كانت تكفي لتذرف الدموع.
* ماذا عن البُعد الإنساني في هذه الرحلة؟
مشاهد لا تُنسى. جدات فوق الستين يحملن الأمتعة ويضحكن رغم التعب. رجال يشكرون كل من ساعدهم، ويقولون: “سترتم أولادنا وبناتنا”.
أطفال في سن 16 و17 يملأون الباصات بأغانيهم وضحكاتهم. التكافل العائلي حاضر بقوة، الإخوة في الخارج يرسلون المال لدعم العودة.
حتى نحن كأعضاء لجنة التنظيم تأثرنا، وجدنا أن مشاعرنا تجاه السودان نفسها تتغير. العودة لم تكن لوجستيات فقط، بل كانت لحظة روحية تعيد تعريف معنى الوطن.
* لكن العودة ليست سهلة، ما أبرز التحديات؟
صحيح، التحديات كبيرة. أولها أوضاع الإقامة والتسجيل في المفوضية هنا في مصر. ثم التمويل، وهو ضخم جدًا لمشروع بهذا الحجم. هناك أيضًا مسألة التنسيق مع النقل البري وسكة الحديد. لكن رغم ذلك، الإصرار موجود، لأن العودة ليست فقط مشروعًا لوجستيًا:
سياسيًا: مواجهة لمشروع التغيير الديموغرافي.
إنسانيًا: لمّ شمل الأسر وحماية الكرامة.
صحيًا: فتح البيوت للحد من انتشار الأوبئة.
معنويًا: تثبيت انتصار الجيش وربط السوداني بترابه.
* مع كل هذه التحديات الكبيرة للعودة الطوعية، كيف كان الدور المصري في دعم هذه المبادرة، خصوصًا في توفير سبل النقل والتسهيلات؟
لقد كان الدور المصري محوريًا، وعملت الجهات السيادية في القاهرة على تنسيق كل الإجراءات لضمان أن العودة تتم بسلاسة وأمان، بدءًا من التصاريح الأمنية، مرورًا بالإقامة والتسجيل، وصولًا إلى وسائل النقل.
كما قدمت هيئة السكة الحديد المصرية دعمًا استثنائيًا، حيث خصصت قطارات لنقل السودانيين العائدين، مع تذاكر بأسعار مساوية لتذاكر المصريين، لتخفيف العبء المالي على العائلات.
ولم يكن هذا التنسيق مجرد لوجستيات، بل كان رسالة واضحة بأن مصر شريك أساسي في إعادة الأمن والاستقرار إلى السودان، وأن العلاقة بين الشعبين تقوم على التضامن والتكافل.
* كلمة أخيرة؟
العودة الطوعية ليست مجرد رحلة بالباص، هي استعادة روح السودان، وهي رسالة بأن الشعب، مهما عانى، لن يترك أرضه للغزاة. كل دمعة تُذرف في المحطات، كل ضحكة طفل عائد، هي إعلان ميلاد جديد للسودان.