مدارس من القش والشوالات .. تعليم تحت لهيب الشمس وإهمال المسؤولين بولاية كسلا
تقرير : نادر عبدالله حلفاوي

الطلاب يحترقون في فصول منسية في زمن المعارض والاحتفالات
كسلا في مفترق الطرق.. مدارس خاصة تتزين بتشريف الوالي وأخرى تنهار من القش بعلم الأزرق

تقرير : نادر عبدالله حلفاوي
في مشهدٍ يثير الحزن والأسى، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو توثق زيارة مسؤولي التعليم في ولاية كسلا لمدرسة “أروما شمال”، حيث ظهرت المدرسة في حالة مزرية لا تليق بالقرن الحادي والعشرين، بل تعيد الأذهان إلى عصور غابرة. فالفصول الدراسية ليست سوى “براكوب” من القش والشوالات المهترئة، لا تقي حر الشمس ولا برد الشتاء، ولا توفر بيئة تعليمية آمنة أو محفزة.
الطلاب، وهم أمل الغد، يجلسون على الأرض تحت أشعة الشمس الحارقة، بلا مقاعد، بلا سبورات، وأحياناً بلا معلمين منتظمين. وجوههم الصغيرة تعكس الإصرار على التعلم رغم قسوة الظروف، لكن أجسادهم النحيلة تحترق تحت لهيب الشمس، في مشهد يختزل حجم الإهمال الذي تعانيه مناطق الريف السوداني، وخاصة في شرق البلاد وتحديدا في ولاية كسلا .
المدهش في الأمر أن هذه المدرسة تقع في ولاية كسلا، التي شهدت مؤخرا افتتاح عدد من المدارس الخاصة الفاخرة ، وتنظيم معارض للزهور وفعاليات اجتماعية برعاية رسمية من والي ولاية كسلا ، في مفارقة صارخة بين ما يعرض في الإعلام وما يعيشه المواطن في الواقع.
فبينما تنفق الأموال على المناسبات والاحتفالات، تترك المدارس الحكومية في القرى النائية لتنهار على رؤوس طلابها.
زيارة مسؤولي التعليم لهذه المدرسة لم تكن كافية، بل كانت صادمة، إذ لم يصدر عنهم أي موقف واضح أو خطة عاجلة لمعالجة الوضع. وكان من الأجدر أن تتخذ إجراءات فورية، تبدأ بتوفير فصول مؤقتة آمنة، وتخصيص ميزانية عاجلة لإعادة تأهيل المدرسة، وتوفير المعينات الأساسية للتعليم.
إن ما يحدث في أروما شمال ليس حالة فردية، بل هو انعكاس لأزمة أعمق في أولويات الدولة، حيث يهمش الريف ويترك لمصيره، بينما تركز الجهود على المدن والمراكز الحضرية. هذا التفاوت يهدد مستقبل أجيال كاملة، ويكرّس الفقر والجهل والتهميش.
المطلوب اليوم ليس فقط الشجب والاستنكار، بل تحرك فعلي من الجهات المسؤولة، وعلى رأسها والي ولاية كسلا اللواء م. الصادق الأزرق، الذي بات مطالباً بإعادة ترتيب أولوياته، وتقديم التعليم العام على المناسبات والاحتفالات والزيارات الاجتماعية. كما أن على وزارة التربية والتعليم الاتحادية التدخل العاجل، وتخصيص موارد حقيقية لإنقاذ ما تبقى من العملية التعليمية في المناطق المهمشة.
ختاما، فإن مدرسة القش والشوالات في أروما شمال ليست مجرد مبنى متهالك، بل هي مرآة تعكس واقعاً مؤلما، وتدق ناقوس الخطر حول مستقبل التعليم في السودان وفي ولاية كسلا .. فهل من مجيب؟





