كتاب واراء
أخر الأخبار

حكاية من حلتنا* *يكتبها: آدم تبن*     *دق العيش نفير التعاون*

.*حكاية من حلتنا*

*يكتبها: آدم تبن*

 

*دق العيش نفير التعاون*

 

معروف أن أهل السودان متميزون على غيرهم بصفات التعاون والتكافل والتراحم فى أفراحهم وأحزانهم مهمها تكالبت عليهم الظروف والمحن فهم يجيدونها ويبرعون فى مساعدة بعضهم البعض ، حتى الغنى منهم يجدهم عند الحاجة لا يتعللون ولا يعتزرون بظروفهم الخاصة التى يمكن أن تكون عائقا يحول دون مشاركتهم فى النفير الذى يتنادى له الجميع الكبير والصغير ، فصاحب النفير ماعليه إلا تقديم الدعوة شفاهية بإرسال أحد الأبناء قائلا له : (ياولدى أمشى كلم عمك قول ليهو أبوى قال ليك عندو دق عيش بكره) ، وعندها يتداعى الجميع بدون مواعيد بينهم يلتقون عند المزرعة المحددة ويبدأون عملهم بهمة ونشاط ترى الكهل فيهم كأنه شاب يستعيد نشاطه وحيويته مشاركا فى مختلف التجهيزات التى تسبق عملية *(دق العيش)* ولمن لايعرف فإن دق العيش مرتبط بعيش الدخن والفتريته والزنارى بعد أن يتم قطع سنابلها تجمع فى مكان داخل المزرعة ينظف من الحشائش والنباتات ويسمى ب(الجرن) بضم الجيم والراء أو (التقاه) بفتح التاء وتعطيش الجيم ويدق العيش بمعول يسمى ب(المدقاق) بضم الميم ويتكون من قطعتين من الحطب تسلب واحدة لتصبح مثل مسطحة والأخرى تكون فى فتحه أعلاها تمسك باليدين لتساعد فى ضرب العيش أو دقه حتى تخرج الحبوب من السنابل .

 

وتعتبر عملية (دق العيش) من أهم عمليات حصاد المحصولات الزراعية لإرتباطها بتوفير الغذاء للمجتمع حيث تمثل الذرة أحد المكونات الرئيسة للوجبات فى السودان خاصة مناطق غرب السودان باعتماد أغلب السكان على صناعة العصيدة والكسرة فى وجباتهم اليومية ، رغما عن دخول القمح كمكون غذائي بديل يستخدم فى صناعة الخبز حيث أجبرت الظروف الإقتصادية الأسر على البحث عن البدائل ذات التكلفة الأقل، خاصة مع إرتفاع تكلفة *(حلة الملاح)* بمكوناتها المعروفة اللحوم والزيت والبصل التى لاتنخفض إلا أوقات الوفرة عند بداية موسم إنتاجها عدا اللحوم التى ترتفع كلما زاد الطلب على صادر الثروة الحيوانية، وكما أن صناعة العصيدة والكسرة تحتاج الى حطب الوقود فقد أصبح أحد العناصر التى تشكل قلق للنساء بفعل ندرته التى تسببت فيها عمليات الرعى والقطع الجائر للأشجار مما أدى إلى تصحر الأراضى الزراعية وخلوها من بعض الأشجار التى كانت تشكل غطاءا نباتيا يحمى الأرض من التصحر والجفاف ، حيث أختفت بعض الأشجار فى البلاد مثل الهبيل والسدر والهجليج والكتر والسرح والإنضراب ، وأذكر أن الراديو كان يذكر الناس ويعمل على تثقيفهم بحسن رعاية الأشجار وعدم قطعها لكن هيهات فقد ذهبت الحملات الإعلامية أدراج الرياح .

 

وهنا نقول أن نفير (دق العيش) يعد حدثا مفرحا يجتمع عليه الناس طواعية هدفهم المشاركة والتعاون والتكافل الإجتماعى الذى يحتاجه المجتمع ، صحيح أن الآليات الزراعية أخذت موقعها فى المشاركة فى دق العيش لكنها لم تجد الإستجابة الكافية من المزارعين لإرتفاع تكلفتها وعدم توفرها فى بعض الأحيان ، فكانت النفائر هى الوجه التى يتوجه إليها المزارع لإكمال حصاد محصول الذرة ، وبالطبع عندما يتنادى أهل النفير لدق العيش تسبقهم التجهيزات من المزرعة بتجهيز مياه الشرب والوجبة والشاي والقهوة والزبيحة كأكراميات يكرم بها أهل النفير الذين لبوا دعوة النفير ، ومايميز أهل النفير أنهم بعد إكمال دق العيش إن وجدوا مزرعة بجوارهم إقبلوا إليها مسرعين يحملون معاول الإنتاج والعمل ليكرموا صاحب المزرعة بدق عيشه حتى وإن لم يكن مستعدا لهم فيصنعون الفرحة والبشر على وجهه ويلهج لسانه بالشكر والتقدير لصنيعهم الذى يدل على تعاونهم وتكافلهم المجتمعى الذى يتمنى الناس أن لا يتأثر بالتغيرات السالبة التى دخلت على عادات وتقاليد المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى