كتاب واراء
أخر الأخبار

حكاية من حلتنا* *يكتبها: آدم تبن*     *الحمالين :ألا ليت الشباب يعود يوما*

*حكاية من حلتنا*

*يكتبها: آدم تبن*

 

*الحمالين :ألا ليت الشباب يعود يوما*

 

ألا ليت الشباب يعود يوما / فأخبره بما فعل المشيب مر هذا البيت الشعرى بذاكرتى سريعا الى أعوام سابقة كانت القوة البدنية لأفراد من مجتمعنا فى أوج عنفوانها وزهرة شبابها مابين الأربعين والخمسين عاما ، وأثناء سيرى فى الطريق رأيت إثنين من مشاهير حلتنا يجلسان سويا على سرير صغير وأجسامهما قد ضعفت وهزلت وغطى الشيب رأسيهما وتساقطت الأسنان من فميهما وأخفت تلك القوة التى نعرفها عنهما، فهما لم يكونا مثل بقية أقرانهما فقد حباهما الله تعالى بقوة جسمانية قادرة على حمل أثقل الأشياء دون مساعدة من أحد ، تجد أحدهما يحمل بيده ما لا يستطيع الإنسان العادى حمله لوحده إلا بمعاونة آخر ، فهنا يقف الناس مشدوهين لتلك القوة البدنية التى منحها الله لهما أو لغيرهما من زملائهم الحمالين أو ما نطلق تسمية (العتا له) وهم مجموعة من الناس إجتمعوا على حمل الأثقال التى تحتاج الى قوة بدنية كبيرة لايمتلكها أغلب الناس ، والعتاله يمارسون مهنتهم فى الأسواق والمخازن التجارية والمناطق الصناعية والمصانع الكبيرة والموانئ البحرية والبرية ، فهم يتكسوب من ورائها لتساعدهم فى معائش أسرهم وتحقيق الإستقرار الأسرى لأبنائهم.

 

وحكاية من حلتنا تقوص فى مهنة العتالة التى كانت الى وقت قريب رائجة ومعروفة للناس فلا يمتهنها إلا أولئك الذين يتمتعون بالقوة التى تمكنهم من منافسة قرنائهم فى المهنة ذات الخصوصية المختلفة ، فهنا عليك أن تتهيأ لحمل الأثقال التى يطلب منها نقلها من المخازن الى أسطح سيارات النقل الكبيرة أو الصغيرة أو العكس إنزالها فى المتاجر والمخازن ، فالبضائع والسلع والمعدات تبلغ أوزانها أطنان وأطنان ، فلامجال للتقاعد أو البطء أو التأخير أو الإعتزار، فالوقت عند أهل التجارة والأسواق والمصانع يباع بالمال ، فمن يتأخر لا تنتظره الأسواق ولا أصحابها فعلى العتال أن يعمل بمبدأ زيادة إنتاجه من المنتجات الصناعية أو التجارية أو الزراعية أو الغابية ، فكل منتج له قيمته وله سوقه وله عتاله متخصصون فى رفعه وإنزاله وكما يقول المثل (أعطى الخبز لخبازه) فالمهن لها أسرارها يعرفها من خبرها وعمل فيها لفترات طويلة ، كما أن للعتاله شيخهم الذين تبدأ به المقاولات وتنتهى عنده ويسمونه (شيخ العتاله) وهو من يقوم بتوزيعهم على الأعمال ويستلم أجرة المقاولات وتوزيعها عليهم نهاية يوم العمل ويتفرقون وهم راضين بما قسمه الله لهم .

 

والعتاله أو الحمالون يعتمدون على الغذاء الجيد الذى يكمل بناء أجسامهم وعضلاتهم وتقوية عظام الظهر التى تتحمل العبء الأكبر فى الرفع والنزول ، وعادة ما يشربون زيت السمسم أو العصارة وياكلون التمر والفول السودانى ولا تخلوا وجبتهم من اللحوم مهما كان دخلهم ، وأذكر أن العتاله كان يحمل شوال السمسم أو الذرة أو الصمغ العربى وكأنه لا يحمل شيئا ويمكن لأحدهم أن يقوم بشحن أو تفريغ شحنة لورى كاملة لوحده ولا يحتاج لأحد أن يساعده ، بل تجده يعمل على هندسة رص الشوالات ويسمونها ب(المكنة) يضع فى كل مكنة عدد ١٢ شوال يبدأ بوضع إثنين على سطح الأرض ثم يضع إثنين عكسهما يعنى مرة بالطول ومرة بالعرض حتى إكتمالها وبعدها يبدأ فى الأخرى حتى يكتمل تفريغ الشحنة فى المخزن أو مكانها المخصص لها وهم كذلك بارعون فى خياطة الشوالات مهما كان نوع المحصول أو السلع فأدوات عملهم (المسلة والدبارة) فالمسلة مثل الإبرة لكنها ذات حجم أكبر بفتحه أكبر لتسهيل إدخال الدبارة من خلالها، والدبارة هى خيط الذى يخاط به الشوال ، وحديثا دخلت المكنات الحديثة للخياطة لكن لا يزال البعض يعمل بالخياطة التقليدية للمحاصيل وهكذا إندثرت بعض المهن والأعمال لكنها لاتزال ذكرياتها باقية لأن بعض أشخاصها موجودون على قيد الحياة لهم آلاف التحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى