أخبار
أخر الأخبار

حكاية من حلتنا يكتبها: آدم تبن   حكاية من أيام الحرب (3)

 

ومع إستمرار القتال والمعارك الشرسة فى الأيام الأولى وسط العاصمة خاصة حول القيادة العامة والمدرعات جنوبى الخرطوم والمهندسين بأم درمان والإشارة ببحرى تباطئت حركة المواطنين ولزم أغلب الناس منازلهم فى إنتظار ما تسفر عنه محادثات جدة التى إنطلقت بالمملكة العربية السعودية أملا فى الوصول لاتفاق يفضى الى إيقاف الحرب وإنعقدت الآمال على محادثات جدة إلا أنها لم تفض الى نتائج إيجابية تساهم فى ضع حلول مرضية للطرفين ، لكنها خرجت بمصلح جديد عرف ب(الهدنة) وهى إيقاف القتال لأسباب إنسانية، وتداول الناس كلمة هدنة لفترة ليست بالقصيرة إلا أنهم إكتشفوا أنها لم يكن إلا غطائا لإعطاء التمرد فرصة للتقدم وإحتلال مؤسسات وأعيان مدنية فى مناطق متفرقة بالعاصمة وإدخال الأسلحة والمعدات التى تعين التمرد على مواصلة القتال ، وعندما فقدت الهدنة مصطلحها المعروف وهى مساعدة العالقين فى مناطق القتال للخروج بأمان ونقل الجثث الملقاة فى بعض الطرقات وسترها فى الأمكنة المخصصة لها وهى (المقابر) ، عندها وجد المئات من العالقين فرصتهم للخروج من الأماكن التى كانوا يتواجدون بها وحمدوا الله بأن هيأ لهم أسباب الخروج بعد معاناة عانوها وصوت الأسلحة الثقيلة تصم آذانهم والخوف يتملكهم بأن تصيبهم المدافع والدانات والطيران التى لم تنقطع أصواتها فى كل وقت أو يقعوا أسرى فى يد المليشيا مع إنقطاع الكهرباء والمياه وشبكات الإتصال .

 

وتمر تلك ذاكرة تلك الأيام الأولى من الحرب وسط العاصمة والعالقون يتواجدون بالمؤسسات المدنية والمناطق السكنية وسط العاصمة وتاتى الهدنة فى الأيام الأولى للحرب وعندها يخرج العديد من العالقين يمشون بأرجلهم طلبا للأمان رغما عن الخوف والرعب الذى أصابهم فى تلك الأيام التى قضوها كأصعب الأيام التى تمر عليهم فى حياتهم منذ أن تفتحت أعينهم على الحياة ، وأذكر أن أحد العالقين كنت أحادثه فى فترات متقطعة يقول لى : أننا صائمون فقدنا الأمان والأفطار خارج أماكننا فقد أصبحنا نفطر داخل المبانى على البسكويت والكيك والتمر والماء والعصير ، فلامجال هنا لصنع طعام لعدم وجود مقومات إعداده ، فقد مررنا بتجربة عصيبة نسأل الله أن لاتعود على بلادنا فى حاضرها ومستقبلها ، وأغلب العالقين تشابهت حكاياتهم التى حكوها لحكاية من حلتنا ، فمنهم من يقول لك أننى كنت متوقع أسرى لأننى كنت أعمل فى مؤسسة حكومية ، وآخر يقول أننى كنت أتوقع الموت جوعا أو بالسلاح ، وهناك عالقون من خارج البلاد يمثلون بعثات دبلوماسية لبلادهم ووكالات ومنظمات وشركات ووسائل إعلام ، أوقعهم حظهم العاثر أن يكونوا فى وسط العاصمة لحظة إندلاع الاشتباكات وهكذا كانت لحظات خروجهم تمثل لهم فتحا عظيما لهم إن كانوا مواطنين أو أجانب فقد رأينا الفرح والسرور على وجههم لحظة إجلائهم الى مناطقهم أو بلدانهم .

 

وهكذا مرت تلك الأيام تحمل هموما ثقيلة على أسر العالقين الذين تقطعت بهم سبل التواصل مع أهلهم ففى أكثر الأوقات تنقطع الإتصالات بين الناس ويظل الأهل يبحثون عن مفقودهم (رجلا كان أو إمرأة) ولايستطيعون أن يتواصلوا معهم فكلما أردت الإتصال به يأتيك الرد الآلى (هذا المشترك لايمكن الوصول إليه حاليا) أو (الهاتف مغلق حاليا) ويتسلل الإحباط الى المتصل وتتملكه الحيرة ولايستطيع أن يجد إجابة للأسئلة التى تتكاثر عليه ، كما أن العديد من هؤلاء العالقون مصابون بأمراض مزمنة كالسكرى والضغط والكلى يتناولون علاجات مستمرة ووجبات غذائية معينة إضافة إلى أنهم يحتاجون الى الرعاية الطبية المستديمة ، فمثل هؤلاء بالتأكيد تأثروا كثيرا بصعابها التى تؤدى غالبا الى مضاعفات جسدية تأثر علي صحتهم مستقبلا ، وعلى كل كانت أيام الحرب الأولى إمتحانا صعبا ومفاجئا لأغلب العالقين ، فمنهم من إستطاع تخطى صعابها والتأقلم عليها ومنهم من صعب عليه تخطيها ، وهكذا إستمرت الحرب وفى طياتها الكثير من المحن والمنح التى إذا أردنا أن نقف عند كل واحدة منها لما إستطعنا الى ذلك سبيلا ، فكل عالق وعالقة له من الحكايات الحزينة والمفرحة التى يرويها لأهله وأصدقاوه عندما يحل ضيفا عزيزا عليهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى