د. عبد الجابر مرعي يكتب : حلفا تنادي… فهل من مجيب؟

أين أنتم يا من رفعتم شعارات الثورة؟ أين أنتم يا من وعدتم بالأمل؟
هل من مسؤول يسمع النداء قبل أن يتحول إلى صرخة؟
✍️ بقلم د. عبد الجابر مرعي
في أقصى الشرق، حيث تنام الأرض على وسادة التاريخ وتصحو على وجع التهجير وصبر السنين ، تقف حلفا، قديمها وجديدها، شاهدة على الوفاء، وصابرة على الجفاء، تنادي حكومة الثورة وحكومة الأمل: أما آن لهذا النسيان أن ينتهي؟ أما آن لهذا الجرح أن يضمد؟
حلفا الجديدة، تلك المدينة التي لم تبنَ على أطلال، بل على أكتاف رجالٍ ونساءٍ حملوا الوطن في قلوبهم، واستقبلوا كل من ضاقت به الأرض، من مدني إلى القضارف، ومن الفاو إلى جنوب الجزيرة. فتحت أبوابها، لا بأمرٍ من سلطة، بل بإرادة شعب، وأسست مركزا للكلى من حر مالها، مدعوما بجمعية أهلية، غسلت فيه أوجاع الغريب قبل القريب، وداوت جراح الضيوف قبل أن تداوي جراحها.
ثم ودعتهم بالدموع، لا باللوم، وساندت القوات المسلحة، وانضم أبناؤها إلى المقاومة الشعبية، وقاتلوا مع درع البطانة، وما زالوا. لم تتأخر يوما عن نداء الوطن، ولم تتردد في بذل الغالي والنفيس، فهل جزاؤها أن تباع أراضيها، وتهمش قراها، وتنسى في دفاتر الدولة؟
أما حلفا القديمة، فهي بوابة الوطن، ومعبر الجريح والمهاجر، وممر العودة من أرض الكنانة، شاهدة على ملايين عبروا من خلالها، وآخرهم قطارات الصناعات الدفاعية، التي حملت أبناء الوطن إلى أرضهم ليعمروها. كانت ولا تزال شريانا نابضا، لا يعرف التوقف، ولا يرضى بالإقصاء.
ورغم كل هذا، تشتكي الأولى من بيع أراضيها وطرقها الرئيسية لدعم خزينة لا يصل منها إلا الفتات، وتنعزل قراها عن المدينة وخدماتها، ويهمش مصنع السكر، المشروع الإعاشي الأساسي، الذي تحول إلى مزرعة للطماطم، بينما تتاكل أصوله يوماً بعد يوم، ويترك بلا صيانة، بلا تطوير، بلا اهتمام.
ذلك المصنع، الذي كان أحد أكبر مصانع شركة السكر السودانية إنتاجا وأكثرها عراقة، أصبح اليوم مجرد ذكرى، تروى على ألسنة الكبار، وتحزن قلوب الصغار. لم يسأل مسؤول عن مصيره، ولا عن مصير من عاشوا عليه، ولا عن آلاف الأسر التي كانت تعتمد عليه في معاشها.
فأين أنتم يا من رفعتم شعارات الثورة؟ أين أنتم يا من وعدتم بالأمل؟
لا تبخسوا الناس جهادهم، ولا تنسوا من تعبوا، وتهجروا، وما زالوا في حالة “تشمير”، يعملون بصمت، ويصبرون على الإهمال، ويأملون في إنصاف طال انتظاره.
ادعموا مؤسساتهم، وامسحوا عن جبينهم غبار التجاهل، فهم لم يخذلوكم، فلا تخذلوهم.
حلفا لا تطلب امتيازا، بل تطالب بحقها في الحياة، في الإنصاف، في الاعتراف.
فهل من مجيب؟ وهل من مسؤول يسمع النداء قبل أن يتحول إلى صرخة؟
إن كانت الثورة تعني رد الحقوق إلى أهلها، فحلفا أولى بها، وإن كان الأمل وعدا بالتغيير، فلتبدأوا من حيث انتهى الصبر، ولتكن حلفا، قديمها وجديدها، بداية الوفاء لا نهاية النسيان.
فهل من مجيب؟