استطلاع … اعلان حكومة التأسيس يعمق الانقسام ويهدد بتصعيد ميداني

في سياق تطورات الحرب السودانية وما تثيره من جدل سياسي وأمني واسع، أجرى مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية ودراسات الرأي العام استطلاعًا ضخمًا شارك فيه 66,490 شخصًا من داخل السودان وخارجه، مع تسجيل مشاركات مقدّرة من ولايات دارفور التي تُعدّ في قلب الحدث.
جاء هذا الاستطلاع في لحظة فارقة لكشف اتجاهات الرأي العام حيال إعلان ما يسمى بـ”حكومة تأسيس”، باعتباره خطوة مثيرة للجدل يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها محاولة لإعادة رسم ملامح السلطة في البلاد.
وقد جاءت النتائج متباينة في بعض تفاصيلها، غير أن معظمها يشير بوضوح إلى رفض شعبي واسع لهذه الحكومة، كما يتضح في المحاور والنتائج التفصيلية الآتية:-.
1 / في مدخل الاستطلاع وعند سؤال المشاركين عن رأيهم إذا كان مبدأ إعلان حكومة تأسيس يمثل تطورًا فارقًا في مسيرة الحرب في السودان، أجاب 71.5% بلا، بينما قال 15.3% نعم، وأفاد 11.5% بـ”ربما”، في حين لم يحسم 1.7% موقفه. من اللافت أن غالبية المشاركين لا يرون في الخطوة أي تحول جوهري في مسار الحرب.
2/ عند سؤال المشاركين عن موقفهم الشخصي من تأييد أو رفض قيام حكومة تأسيس، رفض 96.3% الفكرة رفضًا قاطعًا، في حين أيدها 2.3% فقط، ووقف 1.4% على الحياد، مما يعطي مؤشرًا واضحًا على أن المزاج الشعبي يميل بصورة كاسحة إلى الرفض.
3/ ولدى سؤال المشاركين عن توقعاتهم حيال موقف القوى الموالية للحكومة الشرعية من إعلان حكومة تأسيس، توقع 89.5% من المشاركين أن يمثل موقفها رفضًا قاطعًا ومواجهة مباشرة، بينما رجّح 5.1% قبولًا جزئيًا أو تفاوضًا، وأشار 5.4% إلى احتمال حدوث انقسام داخلي.
4/ في ذات السياق، وعند سؤال المشاركين عن توقعاتهم حيال موقف قوى المعارضة من إعلان حكومة تأسيس، انقسمت الآراء بين من يعتقدون أنها ستقدم الدعم الكامل لحكومة تأسيس ويمثلون (39.2%) من المشاركين، بينما رأت نسبة (36.5%) أن القوى المعارضة ستقدم دعمًا مشروطًا أو محدودًا، ورأت نسبة (24.2%) أن القوى المعارضة لا تؤيد فكرة تأسيس وترفض قيامها. من اللافت هنا أن المشاركين لديهم القناعة أن القوى المعارضة ليست على موقف موحد وإنما منقسمة بوضوح.
5/ اتساقًا مع السؤال السابق، وعند سؤال المشاركين عن توقعاتهم حيال موقف الحركات المسلحة من إعلان حكومة تأسيس، أعربت نسبة (70.6%) عن قناعتها بأنها سترفض الفكرة وتنحاز للحكومة الشرعية، بينما توقع (21.3%) من المشاركين حدوث انقسام داخلي في الحركات، وأشار (5.6%) إلى احتمال أن تقدم الحركات دعمًا مشروطًا، في حين رأى (1.2%) إمكانية تقديمها للدعم الكامل.
6/ عند سؤال المشاركين عن إمكانية اعتراف المجتمع الدولي بحكومة تأسيس، استبعد (71.1%) ذلك، بينما اعتبر (23.1%) أن الاعتراف محتمل، وأجاب (5.8%) بلا أدري، مما يعكس إجماعًا عاليًا مع بقاء هامش محدود للتوقعات.
7/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان إعلان حكومة تأسيس يحمل رسالة بأن المعارضة المدنية تميل للسلام عبر الدعم السريع، تُظهر النتائج أن غالبية المشاركين (60.2%) لا يرون في إعلان حكومة تأسيس رسالة تدل على ميل المعارضة المدنية للسلام عبر الدعم السريع، في حين اعتبر (29.3%) العكس، وظل (10.5%) بلا موقف محدد، ما يعكس تصورًا عامًا رافضًا مع بقاء مساحة محدودة لوجهات النظر الأخرى.
8/ عند سؤال المشاركين عن قدرة الحكومة الشرعية على مناهضة إعلان حكومة تأسيس، أوضحت النتائج أن أغلبية المشاركين (81.3%) يثقون في قدرة الحكومة الشرعية على مواجهة إعلان حكومة تأسيس، مقابل (6.1%) لا يرونها قادرة، فيما اعتبر (12.6%) أن قدرتها ستكون محدودة وجزئية.
9/ ولدى سؤال المشاركين عن أنجع الإجراءات لمناهضة حكومة تأسيس مع منحهم أكثر من خيار لتوضيح وجهات نظرهم، رجّح (80.1%) أن الإجراء الأنجع هو المواجهة الأمنية والعسكرية، تلتها خيارات: التصعيد القانوني والدستوري (49.7%)، الحملة الإعلامية لكسب الرأي العام (48.6%)، الحشد الدبلوماسي وطلب الدعم الدولي (47.6%)، فيما طرح (2.8%) خيارات أخرى. ويبدو واضحًا من النتائج أن الغالبية رجّحت الحل العسكري كخيار أول.
10/ و عن أثر الإعلان على العمليات الميدانية، تشير النتائج إلى أن غالبية المشاركين (62.5%) يتوقعون أن يؤدي إعلان حكومة تأسيس إلى تصعيد العمليات الميدانية، في حين رأى (34.8%) أنه لن يكون له أثر واضح، واعتبر (2.7%) أنه قد يسهم في التهدئة؛ ما يعكس اتجاهًا عامًا نحو ربط الإعلان بزيادة حدة الصراع مع وجود أقلية ترى محدودية أو عكس ذلك.
11/ و عمّا إذا كان الإعلان يهدف إلى دمج الدعم السريع في الحكم البديل، أظهرت النتائج أن معظم المشاركين (68.6%) يرون أن إعلان حكومة تأسيس يستهدف دمج الدعم السريع في الحكم البديل، بينما خالفتهم الرأي نسبة (17.4%)، وأبدت نسبة (14%) من المشاركين رأيها بعدم الوضوح في الموقف؛ ما يشير إلى قناعة سائدة وسط المشاركين بارتباط الإعلان بمصالح الدعم السريع مع وجود أقلية متحفظة أو مترددة.
12/ عند سؤال المشاركين عن إمكانية انسجام المكونات الاجتماعية الدارفورية مع حكومة تأسيس، أظهرت النتائج بقوة أن معظم المشاركين (74.2%) لا يتوقعون إطلاقًا انسجام المكونات الدارفورية مع حكومة تأسيس، بينما أبقى (22%) الباب مفتوحًا لاحتمال تعاون وانسجام محدود، بينما خالفتهم الرأي نسبة (3.8%) فقط وأكدت إمكانية انسجام المجتمع الدارفوري وتعايشه وقبوله بحكومة تأسيس، وهو ما يعكس رفضًا واسعًا مع وجود هامش ضيق للتوافق.
13/ عند السؤال عمّا إذا كان الإعلان يمثل اتجاهًا لفرض أيديولوجيا علمانية ومفاهيم جديدة على المجتمع الدارفوري المحافظ المعروف بالتدين، أيدت النتائج أن غالبية المشاركين بنسبة (77.8%) اعتبروا إعلان حكومة تأسيس محاولة لفرض أيديولوجيا علمانية جديدة على المجتمع الدارفوري، مقابل (14.7%) اعتبروا أن هذا التوجه غير سليم، و(7.5%) ظلوا دون موقف محدد، ما يعكس إدراكًا بأن الإعلان يتجاوز البعد السياسي ليحمل مشروعًا أيديولوجيًا لإعادة تشكيل المجتمع.
14/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان الإعلان يخفي مشروعًا لتقسيم السودان، أوضحت النتائج بجلاء أن أغلبية كاسحة من المشاركين (94.5%) ترى أن إعلان حكومة تأسيس يخفي وراءه مشروعًا لتقسيم السودان، مقابل (4.2%) فقط نفوا ذلك، في حين اكتفى (1.3%) بعدم إبداء موقف. هذه النسبة المرتفعة تعكس إدانة شعبية واسعة وتشكيكًا عميقًا في مقاصد الإعلان، واعتباره تهديدًا مباشرًا لوحدة البلاد. وهذا يكشف شبه إجماع على أن المشروع يحمل نوايا تقسيمية.
15/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان الإعلان محاولة لصرف النظر عن تراجع الدعم السريع، أظهرت النتائج أن أغلبية كبيرة من المشاركين (83.9%) ربطوا إعلان حكومة تأسيس بمحاولة واضحة لصرف الأنظار عن التراجع الميداني لقوات الدعم السريع، بينما نفى ذلك (10.6%) فقط، وأبدى (5.5%) عدم معرفة. ويكشف هذا الموقف العام عن وعي واسع بحجم الخسائر والانحسار الذي مُنيت به قوات الدعم السريع في الميدان، سواء بفقدانها مناطق استراتيجية أو بتراجع قدرتها على فرض نفوذها كما في السابق، ما جعل الإعلان يُنظر إليه بوصفه مناورة سياسية تهدف إلى تعويض الفشل العسكري بتغطية إعلامية وأيديولوجية.
16/ عند سؤال المشاركين عن مدى احتمالية استلهام الدعم السريع للنموذج الليبي بضوء أخضر إقليمي أو دولي، أظهرت النتائج أن معظم المشاركين يرون احتمالية عالية لذلك، حيث اعتبر (64.3%) أن الأمر “محتمل جدًا”، و(28.2%) رأوه “محتملًا”، بينما شككت نسبة (7.5%) في إمكانية تكرار هذا النموذج. ما يعكس قناعة راسخة بأن مسار الدعم السريع قد يكون امتدادًا لتجربة الفوضى الليبية بغطاء خارجي، مع قلة لا تزال لا تصدق هذا السيناريو.
17/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان الإعلان يمثل رسالة للمجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بحكومة تأسيس، أوضحت النتائج أن غالبية المشاركين (59.5%) اعتبروا إعلان حكومة تأسيس رسالة موجَّهة للمجتمع الدولي لطلب الاعتراف بها، في حين بقي (9.5%) دون موقف محدد. أما نسبة (31.1%) فقد رفضت هذا التفسير، ما يشير إلى ميل عام لقراءة الإعلان كخطاب موجه للخارج، رغم وجود معارضة معتبرة.
18/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان الإعلان يمثل محاولة لإحياء العصبيات العرقية وإقامة دولة جهوية، أظهرت النتائج أن غالبية كاسحة من المشاركين بنسبة (88%) يرون في إعلان حكومة تأسيس محاولة خطيرة لإحياء العصبيات العرقية وإقامة دولة جهوية، مقابل (8.6%) فقط نفوا ذلك، و(3.4%) تحفظوا على الإجابة. هذه النسبة المرتفعة تكشف عن إدراك شعبي واسع بأن الإعلان لا يهدد وحدة السودان فحسب، بل يضرب في صميم السلم الاجتماعي، عبر إذكاء الانقسامات العرقية وزرع بذور الفتنة الجهوية.
19/ عند سؤال المشاركين عمّا إذا كان الإعلان يعكس نزعة شخصية من آل دقلو لتحقيق “حلم الرئاسة”، أظهرت النتائج أن أغلبية ساحقة من المشاركين (85.7%) يعتبرون إعلان حكومة تأسيس انعكاسًا لنزعة شخصية من آل دقلو لتحقيق “حلم الرئاسة”، مقابل (10.5%) نفوا ذلك، و(3.8%) لم يحددوا موقفهم ووقفوا على الحياد. هذا الاتجاه يوضح قناعة راسخة بأن الإعلان لا ينفصل عن طموحات أسرية ضيقة، وأنه محاولة لتسويق مشروع شخصي بواجهة سياسية، مما يثير مخاوف إضافية حول مستقبل الاستقرار ووحدة القرار الوطني.