منوعات

من أبو سمبل إلى العالم… الفنان عامر داود يعود ليحمل راية التراث النوبي

عامر داود: الأغنية النوبية لن تموت ما دام النوبيون يغنون بلغتهم
الهجرة جرح مفتوح… والفن النوبي هو صرخة الحنين إلى الأرض
الفن النوبي قادر على تجاوز الحدود والوصول إلى العالمية
رسالة لكل أم وأب نوبي « علموا أبناءكم لغتكم… فالنوبية هي نبض الهوية 

 حاوره : نادر عبدالله عبدة

في قلب النوبة، حيث يمتزج التاريخ بالوجدان، وتغني الأرض بلغتها الخاصة، يطل علينا الفنان النوبي الكبير عامر داود ، من على ضفاف أبو سمبل، يحمل عبق التاريخ ودفء التراث ، وصوتاً نابضاً بالحنين والهوية، لم تكن عودته إلى الساحة الفنية مجرد رجوع، بل كانت إعلانا بأن الأغنية النوبية لا تزال تنبض بالحياة، وأن رسالتها لم تكتمل بعد.

منذ نعومة أظافره، نشأ عامر في مهد الفن النوبي، يتنفس أنغامه، ويحلم بأن يكون صوته امتداداً لأصوات الأجداد. لم تكن ابتسامته التي لا تفارق وجهه مجرد تعبير عن الفرح، بل كانت وعداً بأن الفن النوبي سيظل حياً، نابضاً، ومضيئاً في وجه التحديات.

في هذا الحوار الخاص، يكشف لنا الفنان الكبير  عامر داود عن أسرار رحلته الفنية، وتفاصيل ابتعاده وعودته، ورؤيته لمستقبل الأغنية النوبية في ظل التحديات المعاصرة. يتحدث بصراحة عن مأساة الهجرة، وعن أهمية تواصل الأجيال للحفاظ على اللغة والتراث، ويؤكد أن الفن النوبي قادر على تجاوز الحدود والوصول إلى العالمية، ما دام يحمل صدق النوبة وروحها.

حوار يحمل بين سطوره دفء الذكريات، ووهج الحلم، ووصية الفنان للأجيال القادمة: علموا أبناءكم لغتكم… فالأغنية النوبية هي نبض الهوية.

  * في البدء مرحب بك الفنان الكبير عامر داود موقع ارتي ميديا وصحيفة صوت البلد؟ 

“يا هلا بكم، استاذ نادر عبدالله ، يسعدني التواجد معكم عبر الصحيفة والموقع  .

* بمناسبة العودة للفن النوبي بعد الاعتزال، ما الذي دفعك لاتخاذ قرار الاعتزال في البداية؟ وهل كان القرار صعبا؟

لم يكن اعتزالاً بل ابتعاداً فرضته ظروف عملي في بداية حياتي المهنية، وكان لابد من التفرغ. بكل تأكيد القرار كان صعباً جداً، لأنني أحب الغناء منذ طفولتي وكنت أشارك في أي عمل فني خلال مراحل التعليم .

* كيف استجبت لإصرار المهتمين بالأغنية النوبية على عودتك؟ وهل شعرت أن هناك رسالة يجب أن تُكملها؟

كنت في غاية السعادة، ورحبت بالعودة دون أي تفكير. نعم، الفن النوبي رسالة، ويجب أن تستمر مسيرة القامات الفنية النوبية، فجيل يسلم جيل.

* كيف ترى الفرق بين الساحة الفنية النوبية قبل ابتعادك وبعد عودتك؟

قبل الابتعاد كانت الساحة الفنية لها قواعد ونظام، وكانت الفرقة الموسيقية تتصدر المشهد بكل شموخ. أما الآن، أعتقد أن النظام اختلف تمامًا بين عازف الأورج والفنان.

* هل كانت هناك أغنية معينة شعرت أنها كانت نقطة الانطلاق؟

الحمد لله، جميع أعمالي الفنية الخاصة لاقت إعجاب الجمهور النوبي، في مصر و السودان وما دام كل اعمالي يعجب الجمهور هذا يرضيني كثيرا.

* من هم الفنانون النوبيون الذين أثروا فيك خلال مسيرتك؟

“النوبة أنجبت فنانين كباراً أثروا الساحة الفنية، كنت أستمتع بفنهم الجميل ، لكن أقربهم إلى قلبي هو الفنان عادل باطا، مدرسة فيتارة الفن النوبي.

* ما الأغنية الأقرب إلى قلبك ولماذا؟

أغنية “الأم” هي الأقرب إلى قلبي، كلمات وألحان الأستاذ والمؤرخ النوبي الكبير ناصر الحاج .. لأننا بذلنا فيها مجهودًا كبيرًا، وكنت في غاية السعادة وأنا أغني للأم او « يويو» بالنوبية.

* كيف ترى دور الأغنية النوبية في الحفاظ على اللغة والتراث؟

بكل تأكيد دور الأغنية النوبية مهم جداً في الحفاظ على التراث، وهي لعبت دوراً كبيراً في انتشار اللغة النوبية وسط الأطفال والشباب والان اكثر من 80 % يحفظون الأغاني النوبية وهذا ما يجعلنا ان نطمئن بان اللغة النوبية إرث آبائنا وأجدادنا، التي نفتخر بنوبتنا الحبيبة ستظل باقية ما دام النوبيين باقين .

* هل هناك تواصل بين الأغنية النوبية في النوبة المصرية والنوبة السودانية؟

الأغنية النوبية لا تعرف الحدود. نحن شعب واحد، تجمعنا اللغة، والعادات، والموسيقى، وحتى الأحلام. التواصل بين النوبة في مصر والسودان ضروري، ليس فقط للحفاظ على الفن، بل لتعزيز الروابط الإنسانية والثقافية التي توحدنا. الأغنية النوبية يمكن أن تكون الجسر الذي يعبر فوق كل الحواجز السياسية والجغرافية.” ولذلك لابد أن يكون هناك تواصل، لأن الاثنين يكملان بعضهما، وما فرقهم إلا المكان بعد الهجرة . 

* هل تعاونت مع فنانين نوبيين من السودان؟ وكيف أثرت هذه التجربة على أسلوبك؟

للأسف لم تتح لي الفرصة من قبل، وأتمنى ذلك بإذن الله ، والنية موجودة ان أمد الله في الأعمار ، ومن دون ذكر أسماء استمع لعدد كبير من الفنانين من «حلفا والمحس والسكوت » هناك كوادر جميلة وأصوات نقية في الفن النوبي السوداني، وكل التوفيق لهم لرفع اسم نوبتنا الحبيبة.

* هل تعتقد أن الأغنية النوبية في السودان أكثر ارتباطًا بالتراث، أم أن مصر تحتضن التجديد أكثر؟

الأغنية النوبية السودانية لها رونقها وإبداعها، وكذلك المصرية، ولذلك دائمًا أقول إن الاثنين يكملان بعضهما.

* هل تناسى النوبيون مآسي الهجرة المشؤومة؟

رد بحسرة مستغربا من السؤال، « معقولة في نوبي ينسى هذه الهجرة المشؤمة » الهجرة كانت جرحاً مفتوحاً في قلب النوبة، فقدنا الأرض، وفقدنا جزءاً من الذاكرة الجماعية، لكننا لم نفقد الروح. الفن النوبي، وخاصة الأغنية، كان وسيلتنا للمقاومة والتشبث بالهوية. كل أغنية نوبية هي صرخة حب وحنين إلى الأرض التي غادرناها قسراً.” ولذلك النوبي الأصيل لن ينسى أو يتناسى مأساة آبائنا وأجدادنا، فهجرة النوبيين سواء إلى شمال مصر أو إلى خشم القربة كانت من أكبر المآسي في التاريخ .

* في رأيك، هل الأغنية النوبية قادرة على مواكبة العصر الرقمي؟ وهل ترى أن لها مكانًا في المنصات العالمية؟

الأغنية النوبية من أرقى وأقيم أنواع الغناء، لأنها تنبع من وجدان صادق وتجربة إنسانية عميقة. فيها البساطة، وفيها العمق، وفيها الحنين. وتمنحك راحة نفسية بشرط أن تكون نوبية خالصة بجمال كلماتها وألحانها. لكنها للأسف لم تأخذ فرصتها الكاملة في الانتشار عالمياً، ربما بسبب ضعف الترويج إعلامياً أو غياب المنصات التي تحتضن هذا النوع من الفن.”

* كيف يمكن الحفاظ على الهوية النوبية في ظل التحديث الموسيقي؟

الأغنية النوبية ليست مجرد لحن أو كلمات، إنها ذاكرة شعب وهوية ثقافية متجذرة في وجداننا. إذا لم نتواصل مع أبنائنا وننقل لهم هذا التراث، سنفقد جزءاً من أنفسنا. لذلك، أرى أن تواصل الأجيال هو حجر الأساس في استمرار الأغنية النوبية، لأنها تحمل في طياتها اللغة، والتاريخ، والمشاعر التي لا تُترجم إلا بالنغم النوبي.”

وعلينا جميعًا كنوبيين أن نفعل دور الهيئات والجمعيات النوبية في كل مكان، ليجتمع الملحنون والشعراء والفنانون والمبدعون، ويظهر الفن النوبي الأصيل للناس.

* هل ترى أن الجيل الجديد من الفنانين النوبيين يحمل الراية بشكل جيد؟

لدينا جيل جديد ما شاء الله جميل، وأنا متابع جيد سواء في السودان أو في مصر، ونتوسم فيهم كل خير في المحافظة ونشر الأغنية النوبية للعالمية .

* ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الثقافية في دعم الأغنية النوبية؟

دور المؤسسات الثقافية مهم جدًا، ويجب أن يشجعوا الشباب على إقامة ورش في جميع الفنون، سواء شعراء أو ملحنين أو فنانين أو عازفين، ليظهر لنا كوادر نوبية قيمة.

 * رسالة اخيرة

أنا دائماً أقول للأمهات والآباء علموا أولادكم لغتكم، فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي جذر الهوية. اللغة النوبية لن تندثر ما دامت الأغنية النوبية تغنى، وما دام هناك من يرددها في البيوت والمناسبات. كل طفل يتعلم كلمة نوبية هو امتداد لآلاف السنين من الحضارة.”

* كلمة أخيرة:

كل الشكر والتقدير للأستاذ نادر عبد الله ، رئيس تحرير صحيفة صوت البلد ورئيس مجلس إدارة موقع آرتي ميديا، ولكل فريق العمل. دمتم في أمان الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى