كتاب واراء
أخر الأخبار

أصداء حول مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي (3-3) دكتور مهندس مستشار/ مالك علي دنقلا    

أصداء حول مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي (3-3)

الإسكان الحضري بين تراجع الإنفاق الحكومي

واتجاه مؤسسات التمويل إلى الشراكة

دكتور مهندس مستشار/ مالك علي دنقلا

التوصيات

 

في ظل التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم اجمع، ومن خلال قراءة التحديات التي يمر بها قطاع الإسكان الحضري بفعل تراجع الإنفاق الحكومي نتيجة الضغوط المالية ، بجانب تغير اولويات وانماط التمويل لدي مؤسسات التمويل الدولية، أصبح لزاماً على المقاول الوطني إعادة قراءة متطلبات السوق والاستعداد لمرحلة تتصدر فيها الشراكات مع القطاع الخاص والعقود التعاونية والتمويل الأخضر ، وما يستلزم ايضا الارتقاء بممارساته المهنية والفنية والإدارية نحو معايير الاستدامة والمرونة والبناء الأخضر ليصبح مؤهلاً لتنفيذ المشاريع الممولة دولياً.

ويأتي هذا المقال، وهو الجزء الثالث من سلسلة اصداء حول مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي الاخير بباريس، الذي حظيت بالمشاركة في جلساته الهامة الكاشفة عن رؤي جديدة واتجاهات مستقبلية كي اقدم مجموعة من التوصيات العملية بصفتي مقاول اولا، ومستشارا باتحاد المقاولين العرب ثانيا، وهي توصيات مهمة موجهة إلى المقاول الوطني، ولمنظمات المقاولين الاقليمية العربية والأفريقية والإسلامية من اجل الاستجابة والتوافق مع هذه المتغيرات والتنسيق الفعال مع مؤسسات التمويل الاقليمية و الدولية، لاستثمار الفرص المتاحة في سوق البناء والتشييد خلال السنوات المقبلة.

أولاً: تعزيز جاهزية المقاولين المحليين لنماذج الشراكة والخطط الجديدة.

1- ترسيخ ثقافة العمل التعاوني (CDM / PPP)

تشجيع الشركات على التحول من مفهوم “السعر الأقل/المخاطر الأعلى” إلى نهج “الدفتر المفتوح/تقاسم الألم والربح/تحقيق الأداء”، خاصة في مشاريع الإسكان الميسر والبنية التحتية الحضرية، بجانب حث الشركات علي الاستثمار في أنظمة محاسبية دقيقة، وقدرات تسعير متطورة لاستيعاب عقود التكلفة المستهدفة ونظم الفهرسة العادلة للمواد والأجور.

2- رفع الجاهزية الفنية والتقنية

تطوير قدرات الشركات في نظم الـBIM، والإدارة الرقمية للمشاريع، وكفاءة الطاقة، بما يؤهلها لبرامج مثل EDGE ومبادرات المدن الخضراء، وبناء خبرة حقيقية في التشغيل والصيانة (O&M)، نظراً لارتباط الكثير من عقود PPP بالدفع مقابل الأداء على مدى سنوات.

3- الاستعداد لمتطلبات الحوكمة والشفافية

التأكيد على ضرورة استعداد المقاولين للتعامل مع نهج الدفتر المفتوح، وقبول المراجعة المحاسبية للتكاليف المعرفة، كشرط للدخول في العقود التعاونية مع مؤسسات التمويل الدولية، وبناء ثقافة داخل الشركات تقوم على إدارة المخاطر بشكل منهجي (سعر صرف، مواد، تمويل) وليس على المغالاة في التسعير أو خفض الجودة.

 

ثانياً: دور اتحادات المقاولين (العربي، الافريقي، الاسلامي) في التنسيق مع مؤسسات التمويل الدولية والاقليمية

1- بناء منصات مشتركة للمعلومات مع مؤسسات التمويل

تنسيق منهجي مستمر بين اتحادات المقاولين العرب، والافريقي لمنظمات مقاولي التشييد، واتحاد المقاولين بالدول الاسلامية العربي، للتواصل المؤسسي المنتظم مع البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، وبنك الاعمار الاوروبي وغيرهم، وإنشاء لجنة دائمة مشتركة بين هذه الاتحادات تتولي تلقي ونشر معلومات عن فرص التمويل، وتجمع الفرص المتاحة للمقاولين وتنقل رؤى القطاع الخاص إلى مؤسسات التمويل.

2- تنظيم ورش وسمنارات تعريفية دورية

تنظيم وتنفيذ ورش عمل وسمنارات مشتركة مع مكاتب مؤسسات التمويل (مثل مكتب البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) لشرح منتجات التمويل الموجهة للقطاع الخاص والمقاولين وتوضيح متطلبات الدخول في مشروعات PPP وCDM، وعرض خطط المشاريع المستقبلية في المنطقة، مع التاكيد على أن تكون الفعاليات تطبيقية وعملية، تتضمن دراسات حالة ونماذج عقود وآليات فهرسة، وامثلة تسعير وليس مجرد عروض نظرية.

3- إنشاء منصات معلومات رقمية لخدمة المقاول المحلي

دعوة الاتحادات لانشاء وتطوير منصة إلكترونية موحدة تضم مكتبة عقود نموذجية، وشرح مبسط لأدوات التمويل، وقائمة المشاريع الممولة دولياً، وروابط مباشرة لنوافذ التمويل المتاحة لدعم شركات المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

ثالثاً: بناء القدرات ورفع كفاءة شركات المقاولات

1- برامج تدريب متخصصة بالتعاون مع مؤسسات التمويل

تطوير برامج تدريب تستهدف فهم متطلبات التمويل (الضمانات، الافصاح، الحوكمة، المعايير البيئية والاجتماعية)، والتدريب على إدارة عقود PPP وCDM، بما في ذلك الحوافز، الفهرسة، إدارة الأداء والمخاطر، مع التركيز على الشركات المتوسطة والصغيرة، بوصفها المكوّن الأوسع في سوق المقاولات، والتي تحتاج أكثر من غيرها إلى دعم لبناء قدراتها.

2- إعداد شركات محلية لتكون شركاء حقيقيين

تشجيع اتحادات المقاولين على :

تجهيز قوائم بالشركات المؤهلة فنياً ومالياً للدخول في الشراكات، بجانب دعم الشركات للحصول على شهادات الجودة والسلامة والحوكمة البيئية ، وتوفير برامج توأمة Mentoring بين شركات كبرى وشركات متوسطة وصغيرة لنقل الخبرات.

رابعاً: مناقشة تخصيص 30% للعمالة/الأعمال المحلية كفرصة للمقاول المحلي.

1- تحويل نسبة العمالة المحلية إلى نسبة أعمال محلية

دعوة اتحادات المقاولين لتبني حوار منظم مع البنك الدولي ومؤسسات التمويل الأخرى لتوضيح ان تخصيص 30% من تكلفة العمالة للعمالة المحلية هو شئ هام لكن من الأهم – في واقع أسواقنا – أن يُترجم ذلك عملياً إلى إسناد ما لا يقل عن 30% من قيمة الأعمال إلى مقاولي باطن محليين مؤهلين، والتاكيد على ان هذا التوجه سوف يعزز السعة التنفيذية المحلية ويدعم الشركات الوطنية ويخلق أثراً تنموياً مستداماً يتجاوز مجرد تشغيل عمالة لفترة محدودة.

 

2- وضع آلية عملية لتطبيق نسبة الـ30%

اقتراح ان تعمل الاتحادات مع جهات التمويل على وضع معايير واضحة لتأهيل المقاولين المحليين للحصول على هذه النسبة، وضمان عدم تحول النسبة إلى أعمال شكلية بلا قيمة حقيقية، وتضمين بنود عقود واضحة تنص على نسبة الأعمال المسندة للمقاولين المحليين، نوعها (لا تقتصر على البنود البسيطة فقط)،، ومتطلبات نقل المعرفة وبناء القدرات من الشريك الدولي إلى المحلي.

خامساً: التطلّع إلى الورشة مع البنك الدولي – مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

نستهدف من الورشة المرتقبة عدة عناصر وهي التركيز على أن تكون الورشة منصة لمناقشة تطلعات وآمال القطاع الخاص في إيجاد صيغ تمويلية تعالج مشكلات قطاع المقاولات (التدفقات النقدية، الضمانات، فترات السداد)، وخيارات تخفيف أعباء الضمانات على شركات المقاولات، خاصة الشركات المتوسطة والصغيرة، عبر أدوات مثل؛ ضمانات جزئية من مؤسسات التمويل، برامج تأمين مخاطر ائتمانية، أو صناديق ضمان وطنية/إقليمية بدعم دولي.

 

1- التعرّف على النوافذ المتاحة لتمويل القطاع الخاص:

يمكن تخصيص جزء واضح من الورشة لعرض؛ منتجات مؤسسة التمويل الدولية IFC الموجهة لشركات البناء، نوافذ التمويل الأخضر (قروض، سندات خضراء، قروض مرتبطة بالاستدامة)، برامج تمويل أو ضمان موجهة للشركات المتوسطة والصغيرة في قطاع المقاولات.

مع ضرورة الطلب من البنك الدولي والمؤسسات الأخرى تقديم أمثلة لتجارب ناجحة في دول مشابهة (داخل أو خارج المنطقة) لبناء نموذج يمكن الاستفادة منه وتكييفه في بيئة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

2- خريطة طريق مشتركة لما بعد الورشة:

التوصية بألا تقتصر الورشة على النقاش النظري، بل تنتهي إلى خطة عمل مشتركة بين البنك الدولي واتحادات المقاولين (العربي، الأفريقي، الإسلامي) تتضمن؛ جدولاً زمنياً لورش متخصصة حسب الموضوع (PPPs، CDM، التمويل الأخضر، الضمانات، بناء قدرات SMEs)، ومقترحات لمشروعات تجريبية (Pilot Projects) يُعطى فيها المقاول المحلي دوراً رئيسياً ضمن نماذج PPP أو CDM في الإسكان الميسر والبنية التحتية.

سادساً: توصيات إضافية عملية

1- تشجيع إنشاء وحدات “تجهيز مشاريع PPP/CDM” داخل الاتحادات:

اقتراح أن يؤسس كل اتحاد (العربي، الأفريقي، الإسلامي) وحدة أو فريق فني صغيرمهمته مساعدة الشركات في قراءة مستندات المناقصات المُمَوّلة دولياً، ويوضح المتطلبات التعاقدية (حوافز، فهرسة، مؤشرات أداء)، ويدعمها في تجهيز عروض تنافسية منسجمة مع معايير مؤسسات التمويل.

2- متابعة التطورات التنظيمية والتشريعية:

حث الاتحادات على لعب دور استشاري للحكومات في تحديث أطر PPP، والاعتراف القانوني بالعقود التعاونية (CDM/Alliance)، ووإدماج آليات الفهرسة العادلة في العقود الوطنية، بما يحمي المقاول من تقلبات غير متحكم فيها، ويضمن في الوقت نفسه الشفافية وحماية المال العام.

3-تعزيز البعد الاجتماعي والاستدامة في ممارسات المقاولين:

تشجيع الشركات على اعتبارات تشغيل العمالة المحلية، التدريب المهني للشباب، استخدام مواد وتقنيات أقل كربوناً، وان جزءاً من ميزتها التنافسية في العطاءات، تماشياً مع توجهات مؤسسات التمويل نحو الاستدامة والعدالة الاجتماعية.

 

خلاصة موجزة للرؤية المقترحة؛

من موقعنا كمقاولين ومستشارين لاتحاد المقاولين العرب، نرى أن المرحلة القادمة ستشهد اتساعاً كبيراً لدور الشراكات مع القطاع الخاص، ونماذج التعاقد التعاونية، والتمويل الأخضر في مشاريع الإسكان والبنية التحتية في منطقتنا، وحتى يستفيد المقاول المحلي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هذه الفرص، لا بد من استعداد مهني وفني داخل الشركات، وتفعيل حقيقي لدور الاتحادات في بناء الجسور مع مؤسسات التمويل، وتصميم سياسات تعاقد وتمويل تعطي للمقاولين المحليين حصة عادلة من الأعمال (مثل تطبيق عملي لنسبة 30%)، والانتقال من موقع “المُتلقّي” إلى موقع “الشريك الفاعل” في صياغة السياسات والمشاريع.

 

هذه التوصيات يمكن أن تشكل أساساً لوثيقة عمل تُقدَّم في الورشة المرتقبة مع البنك الدولي، وتُعتمد كخريطة طريق عمل لاتحادات المقاولين في المرحلة المقبلة.

 

خاتمة

تشهد المنطقة مرحلة تغيرات في أنماط تمويل وتنفيذ مشاريع الإسكان والبنية التحتية، حيث تتقدم الشراكات مع القطاع الخاص والعقود التعاونية والتمويل الأخضر لتصبح الأدوات الرئيسية للمرحلة المقبلة، ولكي يستفيد المقاول المحلي من هذه التحولات، يجب التركيز على تطوير القدرات الفنية والمهنية داخل الشركات؛ وقيام الاتحادات بدور فاعل في بناء جسور تعاون مع مؤسسات التمويل؛ وضمان حصول المقاولين المحليين على حصة عادلة من الأعمال؛ والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الشريك في صياغة السياسات والمشاريع.

لذا فإن هذه التوصيات تمثل أساساً صلباً لوثيقة يمكن تقديمها في الورشة المرتقبة مع البنك الدولي، ليتم اعتمادها كخارطة طريق لعمل اتحادات المقاولين خلال المرحلة القادمة خاصة في ظل التحول العالمي نحو نماذج الشراكة والتمويل التنموي والاستدامة ما يمثل فرصة كبرى للمقاول المحلي، إذا ما أحسن الاستعداد لها، واستثمر أدواتها، وشارك بشكل فاعل في صياغة مسارها.

كما أن اتحادات المقاولين العربية والأفريقية والإسلامية أمام مسؤولية تاريخية تتلخص في القيام بدور الجسر المؤسسي بين الشركات المحلية ومؤسسات التمويل الدولية، وهذا يتطلب من هذه الاتحادات توفير منصات معلومات موثوقة، وإنشاء وحدات فنية متخصصة، وتنسيق الجهود عبر مبادرات مشتركة قادرة على خلق قيمة مضافة للمقاول المحلي وللأسواق الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى