اتجاهات الرأي العام والكتّاب الصحفيين حول خطاب رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمام مجلس الأمن

استطلاع: مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية

تابع مركز الخبراء العرب باهتمام بالغ موجة التفاعلات الواسعة والمتباينة التي شهدتها الساحة السياسية والإعلامية ومنصات الرأي العام السوداني عقب خطاب رئيس الوزراء د. كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي، خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 22 ديسمبر 2025. وقد عكست هذه التفاعلات حالة انقسام واضحة في اتجاهات الرأي العام بين من تلقّى الخطاب بوصفه تعبيرًا عن موقف وطني رسمي ومبادرة سياسية تسعى لفتح أفق السلام، وبين من تعامل معه باعتباره نموذجًا لإدارة دبلوماسية غير موفقة للمنصة الدولية في لحظة بالغة الحساسية.
وقد انصبّ اهتمام الرأي العام، منذ اللحظات الأولى لإلقاء الخطاب، على جملة من القضايا المحورية التي تضمنها أو أغفلها، وفي مقدمتها مضمون مبادرة السلام ذات النقاط السبع، وطريقة توصيف الحرب الدائرة في السودان، وحدود وضوح موقف الحكومة من دولة الإمارات، فضلًا عن الكيفية التي أُديرت بها جلسة مجلس الأمن، وما ترتب عليها من جدل واسع حول مسألة حق الرد، إلى جانب التساؤلات المتعلقة بعلاقة المبادرة المطروحة بخط الرباعية الدولية ومآلاتها المحتملة.
وفي هذا السياق، رصد المركز اتجاهًا مؤيدًا وجد في الخطاب تعبيرًا متماسكًا عن رؤية الدولة، حيث أشاد د. الرشيد محمد إبراهيم، مدير مركز دراسات العلاقات السياسية الدولية، بمضمون الخطاب واعتبره واضح الرؤية ومتوازن البنية، معبّرًا عن إرادة وطنية جامعة تعكس الموقف الرسمي والشعبي في آن واحد. ورأى أن الخطاب أسهم في إعادة تعريف ما يجري في السودان بوصفه عدوانًا خارجيًا لا حربًا أهلية، كما اعتبر أن مبادرة السلام التي طُرحت تُعد أكثر تقدمًا من المبادرات السابقة لاعتمادها مبدأ وقف إطلاق نار دائم بدل الهدن المؤقتة. كما ثمّن تركيز الخطاب على مرجعية منبر جدة لعام 2023، وعلى قضايا النازحين وانسياب العون الإنساني، واحتكار الدولة للقوة ونزع السلاح، وبناء دولة المواطنة والقانون، مع تسجيله ملاحظة تتعلق بضرورة تعزيز المبادرة بإدراج ملف المرتزقة الأجانب وملف الأسرى والمعتقلين والسجون السرية ضمن عناصر الضغط السياسي والقانوني.
في المقابل، رصد المركز اتجاهًا ناقدًا حادًا عبّر عنه د. عبدالعزيز الزبير باشا، الذي اعتبر أن الخطاب يعكس ذهنية أقرب إلى “عقلية الموظف الدولي” منها إلى عقلية رجل الدولة في زمن حرب، ورأى أن لغته الأممية الناعمة لا تتناسب مع طبيعة ما وصفه بحرب وجود تهدد كيان الدولة. وذهب إلى أن الخطاب انطوى على مساواة ضمنية بين الدولة والمليشيا، وتجنّب تسمية المعتدي الحقيقي، محذرًا من أن الصمت تجاه دور الإمارات، إلى جانب الطرح المتعلق ببنود مثل “توفيق الأوضاع”، يمثل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي وعلى السردية الوطنية التي يفترض بالدولة تثبيتها في المحافل الدولية.
كما وقف المركز عند موجة من الانتقادات الإجرائية والإعلامية التي طالت طريقة إدارة الجلسة نفسها، حيث اتهم الفاتح الشيخ الخطاب بإضعاف الموقف السوداني داخل مجلس الأمن، واعتبره امتدادًا لحالة العجز في إدارة ملف الحرب والسلام، ومسببًا في إتاحة الفرصة لخصوم السودان لمهاجمة موقفه دون مواجهة حاسمة. وفي السياق ذاته، ركّز الواثق كمير، من تورونتو، على ما اعتبره ضعفًا في الإعداد والتنسيق قبل الزيارة، وغيابًا للشفافية بشأن أهدافها، فضلًا عن محدودية الوزن السياسي للجلسة ذاتها، واعتبر أن عدم طلب حق الرد عقب كلمة مندوب دولة الإمارات شكّل خطأً إجرائيًا جسيمًا أضر بالموقف السياسي والإعلامي للحكومة، إضافة إلى الإخفاق في عقد مؤتمر صحفي دولي فاعل يستثمر الزيارة ويضبط الرسائل الإعلامية.
وتبيّن للمركز اتجاه تحليلي آخر يربط الخطاب بسياقه السياسي الأشمل، عبّر عنه العبيد أحمد مروح، الذي رأى أن السودان، بوصفه الجهة التي طلبت عقد الجلسة، كان يمتلك الوقت الكافي لإعداد رسائل دقيقة وسيناريو متكامل لإدارة الجلسة. واعتبر أن القيادة السودانية حسمت خيارها بالاستجابة لطرح الرباعية الدولية المتعلق بالهدنة ووقف إطلاق النار، ولكن بصيغة سودانية خاصة، غير أنه انتقد ما وصفه بعجز الخطاب عن كسر سردية “الطرفين” التي تبناها معظم المتحدثين، ومساواتهم بين الجيش والمليشيا. كما رأى أن الخطاب لم يسمِّ الحرب عدوانًا، ولم يوظف التقارير والتحقيقات الدولية التي توثق جرائم الدعم السريع ومسارات السلاح والمرتزقة، وأن غياب تسمية الإمارات وترك الكلمة الأخيرة لمندوبها أضعف الرسالة السياسية التي كان يمكن للسودان إيصالها.
وفي ضوء هذه التفاعلات، رصد المركز حالة تخوّف واضحة في أوساط الرأي العام، تمثلت في تساؤلات حول الجهة التي ستتبنى المبادرة المطروحة وتضمن تنفيذها، ومخاوف من أن تكون الحكومة بصدد السعي لتحقيق مكاسب دبلوماسية لا تنهي الحرب فعليًا، إلى جانب تنامي الفجوة بين الخطاب الرسمي وتوقعات الشارع، واستمرار حالة الصمت تجاه الدور الإماراتي رغم الاتهامات المتداولة على نطاق واسع.
وفي مقابل ذلك، برز اتجاه آخر يرى أن الخطاب متفق عليه مؤسسيًا ولا يمثل اجتهادًا شخصيًا لرئيس الوزراء، وأن ظهوره بهذه الصيغة كان مقصودًا ويعكس موقف الدولة، معتبرًا أن النقد ينبغي أن يوجَّه إلى المضمون وآليات التنفيذ لا إلى شخص رئيس الوزراء.
وتوقف المركز عند وجود قواسم مشتركة بين مختلف الاتجاهات، رغم حدة الاستقطاب، أبرزها الإجماع غير المعلن على ضعف الإعداد السياسي والإعلامي للجلسة، والحاجة إلى إدارة أكثر احترافية للمنصات الدولية وحقوق الرد، وأهمية تسمية المعتدي وتفكيك سردية “الطرفين”، إضافة إلى ضرورة ربط أي مبادرة سلام بآليات ضغط وضمان تنفيذ واضحة.
وخلاصة القول، فإن خطاب رئيس الوزراء أمام مجلس الأمن كشف عن حالة انقسام حقيقي في اتجاهات الرأي العام السوداني، بين من رآه خطوة سيادية إيجابية في مسار البحث عن السلام، ومن اعتبره فرصة مهدرة لمواجهة الرواية المضادة وتسمية العدوان وإحكام إدارة المعركة الدبلوماسية. ويبدو أن التحدي الجوهري لا يكمن في نص الخطاب وحده، بل في توقيت طرحه، وطريقة إدارة المنصة الدولية، ووضوح الرسائل، وقدرة الدولة على تحويل المبادرات المعلنة إلى مسارات قابلة للتنفيذ والتأثير الفعلي.




