كتاب واراء

همس الخواطر .. د. فاطمة عبدالله : رمتالة الحرب 

قامت الحرب وتغيرت حياة كثير من الناس بشكل جذري ..فقدوا البيوت ، وموارد الدخل ، وبدأوا رحلة النزوح والترحال ، قضت على المتبقي من الموارد قليلها وكثيرها ..

المغتربون وكل المساندون لأهلهم واصدقائهم في كل مكان ، هم بعض أبطال هذه الحرب وجنودها ، خاضوها دون سلاح ، اقاموا عماد كثير من الأسر وحفظوهم من ذل الحاجة والعوز .. وما زالوا يقدمون كل ما يستطيعون بمحبة دون كلل أو ملل ..دون انتظار لشكر أو تقدير .
ولكن رغم تقدير كل الظروف المصاحبة لهذه الحرب ، الا أن البعض ما زالوا ينتظرون نهايتها دون تحريك ساكن ، المساعدات التي تقدم لهم من الأقارب أصبحت بالنسبة لهم كأنها حقوق مستحقة وواجبة ، وأخرجوها من دائرة الاحسان إلى الواجب والفرض .. دون مراعاة لظروف من يمدون لهم هذه اليد البيضاء بمحبة واكرام ..
معروف عنا أننا شعب يحب الرمتلة وقليل الانتاج ، والبعض منا ما عنده مانع يعيش على أكتاف الآخرين دون أن تهتز له شعرة..والبعض ما زال يعيش دور الضحية الذي فقد كل شيء ويعتبر الانفاق عليه حق مستحق ..
وفي الجانب الآخر هناك من سعى لرزقه واطعام أسرته بالمتاح والموجود لم يهتم بغير أن يكون كسبه حلالا ..
رأيت اساتذة جامعات وأصحاب مهن عالية ، عملوا بمهن متواضعة لاطعام أسرهم ، بعضهم افترش خضارا في السوق ، وبعضهم عمل جذارا .وآخر يبيع العصير .. ما همهم نوع المهنة ..همهم اطعام أولادهم من كسب حلال ..
الحرب الآن تقترب من العامين ، وقد يطول أمدها ولكن من المدهش أن هناك من يظن أن ليس في يده عمل شيء الا بنهايتها وحاجاته ومتطلبات أسرته كل يوم في زيادة ، وماذا لو استمرت الحرب لأعوام ؟ ماذا لو اختلفت ظروف من يمدون لهم يد المساعدة الآن ؟ .
هناك اشراقات لكثيرين بدأوا اعمالا في مناطق نزوحهم ، ونساء كثيرات امتهن مهن كثيرة لاعالة أسرهن أو مساعدة أزواجهن ، عواسة كسرة ،صناعة عطور ، مطاعم منزلية ، وغيرها من المهن الشريفة التي تعينهم على الاعالة ..
حكت لي احدى الصديقات أن زوجها بعد النزوح أصبح معتمدا على اخوته بالكامل ، نايم ، قايم ، ماكل ، شارب ،وكما بحتج على المصاريف المرسلة اليه أنها ما بتكفي نسبة للغلاء المتزايد وبطلب زيادة ، وغير مهتم بتاتا أن يبحث عن عمل ومصدر رزق لهم رغم طلبها المستمر له بالسعي على رزق أولاده وعدم الاعتماد على اخوته بالكامل.. ولكن كما تقول كلام الطير في الباقير .. ومثل هذه النمازج ازدادت بعد الحرب بصورة كبيرة ، وفي الجانب الآخر بعض المغتربين يشكون أن قرابتهم لا يقدرون ظروفهم ولا يهمهم غير الحصول على المال وكأن لديهم جرابا لا ينفد .
هذه الحرب ينبغي أن تعلمنا التفكير خارج الصندوق ، أن تعلمنا الأستعداد للأسوأ والتفكير في الغد بطريقة مختلفة .. من الحكمة التعامل مع الحرب بعقلانية والسعي لترتيب حياتنا بما تستوجبه هذه العقلانية .. وحسب الظاهر لا أحد يستطيع أن يقول متى ستكون نهاية هذه الحرب ، فهل نجلس مكتوفي الأيدي منتظرين نهايتها ، أو نرتب حياتنا لحرب قد تطول ؟
ترتيب الحياة حسب المعطيات لن يضرنا اذا تغيرت هذه المعطيات ، الذي يضرنا هو البقاء دون تخطيط ودون سعي .. والله أمرنا بالسعي ووعدنا بالرزق .. ولن يخيب أمل الساعي .
والقول المشهور : ( لا تعطني سمكة بل علمني كيف اصطادها ) هذا أكثر وقت نحتاج لنعمل به ، لأن الحاجة قد تكون طويلة ومستدامة وليس لوقت محدد مؤقت معروف .
لديكم كل شيء لتبدوا من جديد وهي أرواحكم التي بين جنبيكم وهدف ورغبة للسعي، وهذا لوحده كفيل بهدم كل العقبات وتحقيق المراد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى