كيف تنظر طهران لعودة علاقتها مع الخرطوم بعد قطيعة 8 سنوات؟
طهران- الجزيرة نت ..بعد أن تواترت التقارير على مدى العشرة أشهر الأخيرة عن قرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وطهران، تبادل السودان وإيران سفيريهما الأحد الماضي، ليضعا حدا للقطيعة التي بدأت في يونيو 2016، إثر إعلان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير قطع العلاقات مع حليفته السابقة.
وخلافا لتقارير كبرى المؤسسات الإعلامية التي ترجع أسباب القطيعة بين البلدين إلى هذا التاريخ، على خلفية اقتحام السفارة السعودية في طهران، فإن ضغوطا غربية وإسرائيلية وعربية قد سبقت ذلك بأعوام لثني السودان عن المضي قدما بتحالفه مع إيران.
ويرى مراقبون في إيران أن حدث اقتحام السفارة السعودية برر للنظام السوداني السابق الرضوخ للأجندة الأجنبية، على أمل خفض الضغوط الدولية عليه والحصول على الجوائز التي طالما وعد بها مقابل التخلي عن تحالفه مع الجمهورية الإسلامية، لكنه اصطدم بجريان الرياح عكس ما تشتهي سفينته.
موازنة الاصطفاف
يعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق المتخصص في العلاقات الإيرانية الأفريقية هادي أفقهي أنه لا يوجد ما يبرر استمرار القطيعة بين إيران والسودان خصوصا بعد عودة العلاقات بين طهران والرياض، لا سيما أن بعض الأطراف التي سبق ومارست الضغط على الرئيس البشير لقطع علاقاته مع طهران اصطفت اليوم إلى جانب أعداء مجلس السيادة السوداني.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير أفقهي إلى وجود تقارب بين الجانبين السوداني والإسرائيلي بوساطة بعض الأطراف الخليجية عقب الإطاحة بنظام البشير، معتبرا أن أحد أسباب الضغوط الأجنبية على الخرطوم لقطع علاقاتها مع طهران كان نابعا من موقفها من القضية الفلسطينية، وعبر عن أمله في أن تساهم عودة العلاقات بين طهران والخرطوم إلى “عرقلة وتيرة التطبيع السوداني الصهيوني”.
ويرى أفقهي أن قرار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران يهدف لموازنة الاصطفاف ورفع كفة علاقات الخرطوم على حساب علاقات خصمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو”حميدتي”، المتحالف مع بعض الدول الخليجية المطبعة مع إسرائيل، حسب وصفه.
وتعتقد طهران أن أي حرب أهلية قد تدور رحاها في الدول العربية تصب في المصلحة الإسرائيلية، وفق أفقهي، مما يبرر دعم طهران لمجلس السيادة السوداني والاعتراف به ممثلا شرعيا في الخرطوم، وذلك في سياق سياسة الحضور في القارة السمراء، التي تمثل الحديقة الخلفية للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل، حسب تعبيره.
كما رأى أن بلاده ترى في السودان أهمية إستراتيجية، كونه يمثل بوابة طهران نحو القرن الأفريقي ودول أفريقيا بشكل عام، نظرا لعطش أسواقها للبضاعة والتكنولوجيا الإيرانية، ولإطلالة السودان على البحر الأحمر وقربه من مضيق باب المندب الإستراتيجي.
وانطلاقا من اعتقاده أن “السودان قد تعرض لمؤامرة دولية أدت إلى تقسيمه، ومهدت لحضور أطراف أجنبية معروفة بعدائها للشعوب الإسلامية والقضية الفلسطينية بالقرب منه”، يوضح أفقهي أن استثمار طهران في الزراعة العابرة للقارات والاستفادة من الموارد المائية لأنهار السودان العديدة والمشاركة في إعادة بناء هذا البلد قد تساهم في ضبط البوصلة لصالح قضايا الأمة الإسلامية.
التعاون العسكري
من جهة أخرى، سبق أن نفت الخارجية الإيرانية التقارير الغربية حول طلب الجمهورية الإسلامية من السودان بناء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، معتبرة أن “هناك دوافع سياسية خلف هذه الادعاءات”، لكنها لم تعلق بعد بشأن التقارير التي تتحدث عن مد طهران الخرطوم بطائرات دون طيار.
بينما نقلت وكالة “بلومبيرغ” في تقرير سابق لها عن مسؤولين غربيين أن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع “مهاجر 6” مؤهلة لمهام الرصد ونقل المتفجرات، وذكرت أن “أقمارا صناعية التقطت في يناير/كانون الثاني الماضي صورا تظهر الطائرة المسيرة الإيرانية في قاعدة وادي سيدنا شمالي أم درمان، الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني”.
يُذكر أن العلاقات بين الخرطوم وطهران كانت وثيقة إلى حين قطعها عام 2016، حيث كانت إيران تصدر الأسلحة إلى الخرطوم منذ تسعينيات القرن الماضي، كما تضمنت العلاقات آنذاك اتفاقيات تعاون في الصناعات العسكرية والدفاعية.
من جانبه، يشيد القيادي السابق بالحرس الثوري العميد المتقاعد حسين كنعاني مقدم بالمستوى المتقدم من التعاون العسكري بين طهران والخرطوم حتى قبيل القطيعة بينهما، مذكرا بأنه لا يوجد أي منع قانوني بشأن تصدير طهران أسلحتها في الوقت الراهن إلى السودان، ومؤكدا أن الجانبين عازمان على تعزيز التعاون بينهما في شتى المجالات خلال المرحلة المقبلة
وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت كنعاني إلى المعاهدات الموقعة بين إيران والسودان بشأن إطلاق طهران خط إنتاج لنماذج من أسلحتها هناك، وعبّر عن أمله في إحياء تلك الاتفاقيات، عقب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
كما كشف عن توافق إيراني سوداني بشأن إقامة ميناء تجاري للجمهورية الإسلامية على شواطئ البحر الأحمر، موضحا أنه لا جدوى لأي ميناء تجاري دون قاعدة عسكرية لحماية المصالح الإيرانية هناك لا سيما في ظل الحرب الدائرة.
وفي ظل الحساسية التي قد يثيرها موضوع إقامة قاعدة عسكرية في السودان، كشف كنعاني مقدم عن اتفاق بلاده مع الجانب السوداني لاستقرار خلية عسكرية لحماية المصالح التجارية هناك، وأضاف أن الجانبين قد انتهيا من الخطوات الأولية لإنشاء الميناء الإيراني، مستدركا أن المشروع متوقف في الوقت الراهن بانتظار بلورة سياسة الحكومة الإيرانية المقبلة.
مستقبل العلاقات
وبالرغم من أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية يعتبر المدخل الرئيسي لتعزيز العلاقات بين الدول المستقلة، وأن شريحة من الأوساط السياسية في إيران تتفاءل خيرا بوضع طهران والخرطوم حدا للقطيعة بينهما، لكن طيفا آخر يستبعد ذهاب الجانبين بعيدا في التطبيع وتعزيز العلاقات.
وبينما يرى الطيف الأخير أن خطوة مجلس السيادة السوداني جاءت ردا على تقارب بعض الأطراف الإقليمية من خصمها اللدود، يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الخرطوم لن تذهب بعيدا في تعزيز علاقاتها مع إيران، خشية عودة العقوبات والضغوط الدولية.
وفي السياق، يستبعد مراقبون في إيران أن ترمي بلادهم بكل ثقلها للاستثمار في السودان، في ظل الحرب الدائرة وانعدام الأمن فيه، لكنها ستعمل على تعزيز العلاقات الدبلوماسية خلال الفترة المقبلة، بانتظار استتباب الأمن واستقرار النظام السياسي الجديد وبلورة سياساته وتوجهاته.