دموع لم تلتقطها الكاميرات … حين أبكى السودان قلوب العرب في مدرجات 974

الجمهور السوداني يهزّ المدرجات ويخطف الأضواء من نجوم المستطيل الأخضر

 الدوحة: نادر عبدالله حلفاوي

في لحظة فارقة من لحظات كرة القدم، و بعيداً عن صخب المستطيل الأخضر وتكتيكات المدربين، كانت هناك مباراة أخرى، أكثر صدقاً وعمقا، تدور رحاها في مدرجات ملعب 974 المونديالي. هناك، حيث وقف الجمهور السوداني شامخا، يهتف، يغني، ويهز أركان المدرجات بحماس لا يضاهى، كانت الروح الحقيقية للبطولة تنبض.

لم يكن الحضور السوداني مجرد جمهور يشجع فريقه، بل كان تجسيدا حيا لمعنى الانتماء للوطن وللأمل. وعندما صمدت شباك “الصقور” أمام ابناء الرافدين طيلة 80 دقيقة، كان الحلم يكبر في عيون الصغار قبل الكبار، وفي قلوب الأمهات قبل الآباء، في دموع الشيوخ الذين جاؤوا من وطن أنهكته الحرب، يحملون في قلوبهم شوقا للفرح، ولو عبر كرة قدم.

لكن حين اهتزت الشباك، لم تكن الخسارة مجرد هدف، بل كانت لحظة انكسار لحلم أكبر من مجرد مباراة. بكى الأطفال بحرقة، وذرف الرجال دموعا لم ترصدها عدسات الكاميرات، لكنها حفرت في ذاكرة كل من شهد تلك اللحظة. حتى الجمهور العراقي، الذي كان يحتفل بانتصاره، لم يحلم به خفف من فرحته احتراما لتلك الدموع النبيلة، في مشهد نادر يعكس عمق الروابط بين الشعبين.

ورغم خيبة الأمل، ظل الجمهور السوداني واقفا، يهتف ويشجع، كأنما يقول: “الهزيمة لا تكسرنا، بل تزيدنا صلابة”. لقد كان طموحهم يتجاوز حدود المباراة، يتجاوز العراق والنتيجة، كان طموحا نحو إثبات الذات، نحو رفع اسم السودان عاليا، نحو لحظة فخر يحتاجها الوطن في زمن الجراح.

فشل الغاني كواسي أبياه في قراءة المباراة، وأضاع فرصة كانت في متناول اليد، لكن الجمهور لم يخذل منتخبه، بل منحه ما هو أثمن من الفوز: الحب والدعم غير المشروط. هذا الجمهور، الذي صنف كأفضل جمهور في البطولة، لم يكن مجرد متفرج، بل كان لاعبا رقم 1، يضخ الحماسة في عروق اللاعبين، ويمنح البطولة نكهة خاصة.

ستفتقد بطولة كأس العرب هذا الجمهور العظيم، الذي أثبت أن الرياضة ليست فقط مهارة ونتائج، بل مشاعر، انتماء، وكرامة. جمهور جاء من وطن جريح، لكنه حمل معه الفرح، الأمل، والكرامة. جمهور لم تمنعه الحرب ولا الغربة من أن يكون حاضرا، صوته يعلو فوق كل الآلام، ودموعه تسقي أرض الملعب حبا ووفاءً.

إنها دموع لم تلتقطها الكاميرات، لكنها التقطت في قلوب كل من حضر، وستظل محفورة في ذاكرة البطولة، كأصدق مشهد وأجمل قصة.