حين تتقاطع الحروب: كيف تُفاقم المواجهة بين إيران وإسرائيل معاناة السودانيين؟
بقلم: رجاء داؤد

بقلم: رجاء داؤد
في خضم صراع إقليمي متصاعد بين إيران وإسرائيل، يعيش السودانيون – داخل البلاد وفي الشتات – فصلًا جديدًا من المعاناة. الحرب التي اندلعت منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تركت البلاد في حالة خراب شبه شامل، لتأتي المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية وتزيد الطين بلّة.
الأزمة السودانية في مرمى النيران الإقليمية
لا يبدو أن السودان، الغارق في نزاع داخلي دموي، بمنأى عن صراعات الشرق الأوسط. بل تشير تطورات الأسابيع الأخيرة إلى أن البلاد باتت ساحة مفتوحة لصراعات الوكلاء، حيث يدعم الحلف الإيراني الجيش السوداني بأنظمة طائرات مسيّرة مثل “مهاجر 6” و”أبابيل”، في حين تُتهم دول أخرى – مثل الإمارات – بدعم قوات الدعم السريع.
هذا الاصطفاف الإقليمي يُغذّي النزاع داخليًا، ويُعقّد مسارات التفاوض والتهدئة، ما ينعكس مباشرة على ملايين الأسر التي تكابد يوميًا تحت الحصار والجوع والمرض.
أولًا: الداخل السوداني تحت الضغط
1. تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية
الاقتصاد السوداني المنهار لم يحتمل الصدمة الإضافية للصراع الإقليمي.
ضربات بالطائرات المسيّرة تسببت مؤخرًا في انقطاع الكهرباء والماء عن أحياء واسعة من الخرطوم.
تفشّي وباء الكوليرا في 13 ولاية، مسجلًا 1854 وفاة، يُشكّل كارثة صحية موازية للنزاع العسكري.
انعدام الأمن الغذائي بلغ مستويات قياسية، مع تقارير أممية تشير إلى أن أكثر من 20 مليون سوداني يواجهون الجوع الحاد.
2. انهيار الاستقرار الأمني
الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة الإيرانية في ساحة القتال يرفع منسوب الخطر على المدنيين، ويهدد بتدويل النزاع.
كما يُخشى أن تتحوّل المواجهة بين طهران وتل أبيب إلى ذريعة لتمرير المزيد من الأسلحة إلى الأطراف المتصارعة في السودان.
3. تصاعد النزوح الداخلي
في ظل استمرار القتال وازدياد الضربات الجوية، تضاعفت أعداد النازحين داخليًا.
تشير تقارير ميدانية إلى نزوح واسع من مناطق أم درمان بعد سيطرة الجيش السوداني عليها مؤخرًا، مدعومًا بعتاد إيراني متطور.
ثانيًا: اللاجئون السودانيون في الخارج… معاناة بلا حدود
1. تدهور الوضع الصحي في مخيمات اللجوء
في تشاد، يعيش أكثر من 300 ألف لاجئ سوداني في ظروف قاسية، وسط تحذيرات من تفشي وباء الكوليرا في المخيمات المكتظة.
أمراض أخرى مثل حمى الضنك والملاريا تهدد حياة الآلاف، في ظل غياب الرعاية الطبية الكافية.
2. تعقيدات الحماية القانونية
في إسرائيل، مُنح نحو 2440 طالب لجوء سوداني وضع “مقيم مؤقت” في ديسمبر 2024، ما أتاح لهم الحصول على الرعاية الصحية والعمل، لكن وضعهم يبقى هشًّا وغير مضمون على المدى الطويل.
يعيش هناك أكثر من 6 آلاف لاجئ سوداني، غالبيتهم من دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، ويشعر كثير منهم بالقلق مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
3. مخاوف من تصاعد العداء والتمييز
مع استئناف العلاقات بين السودان وإيران، وتوتر علاقة إسرائيل بإيران، يخشى بعض اللاجئين السودانيين في إسرائيل من أن يُنظر إليهم بعدسة الاشتباه أو العداء، رغم أنهم ضحايا لصراع لم يختاروه.
ثالثًا: البعد الإقليمي… حين يُغلق الباب أمام المساعدات
1. شلل في الجهود الإنسانية
دعوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الإنساني لم تجد آذانًا صاغية. ومع تصاعد الصراع الإيراني-الإسرائيلي، تتعقّد جهود إنشاء ممرات آمنة للتطعيم والإغاثة.
2. انهيار البنية التحتية
الحرب الأهلية دمّرت المدارس والمستشفيات وشبكات النقل في السودان. وها هي التدخلات الخارجية تجعل من إعادة الإعمار حلمًا بعيد المنال، مما يُعرض مستقبل الأجيال الجديدة للخطر.
3. التهديد بالتقسيم الجيوسياسي
الدعم الإيراني المكشوف للجيش السوداني، مقابل دعم أطراف إقليمية لقوات الدعم السريع، قد يُحوّل السودان إلى ساحة صراع مفتوح بين معسكرين متنازعين، مما يُعيد للأذهان سيناريوهات التقسيم الجيوسياسي التي عصفت ببلدان مثل سوريا واليمن.
بين نار الداخل ولهيب الخارج
السودانيون اليوم – سواء داخل بلادهم أو في مخيمات اللجوء – لا يعيشون فقط تبعات حرب أهلية طاحنة، بل يدفعون ثمنًا باهظًا لصراع إقليمي لا ناقة لهم فيه ولا جمل. في الوقت الذي يتراشق فيه الكبار بالطائرات المسيّرة والصواريخ، يحاصر الجوع والمرض والمجهول ملايين الأبرياء، في واحدة من أكثر الأزمات المركبة والمعقدة في المنطقة.
إن لم تتوقف لعبة النفوذ والصراعات بالوكالة، فإن السودان مهدد بأن يتحوّل إلى جرح مفتوح في خاصرة القارة الإفريقية – نزيفه لا يتوقف، وضحاياه بلا نهاية.