كتاب واراء

من همس الواقع .. د.غازي الهادي السيد يكتب : رسالة في بريد رئيس الوزراء المكلف دكتور كامل ادريس

من همس الواقع : د.غازي الهادي السيد


لقد سعدت كل قطاعات الشعب السوداني وباركت ترشيحك لمنصب رئيس مجلس الوزراء، ولقد حظيت بقبول واجماع كل حادب على مصلحة هذا الوطن، فكل السودانيين يمنون أنفسهم بسودان مزدهر إقتصاديا واجتماعياً وسياسياً، يلحق بركب الدول المتقدمة.

فقد تم ترشيحك لهذا المنصب من غير طلب منك له،فديننا الحنيف حذرنا من طلب القضاء والإمارة، إلا لمن يأنس في نفسه الكفاءة والأمانة، فالتحذير من سؤالهما؛ لما يترتب عليها من أمانات وحقوق للناس، لكن من بُلي بها أعانه الله عليها، إذا بُلي بها ولم يطلبها أعانه الله.

وقد ورد في الحديث النبوي،الذي يوصي فيه رسولنا (صلى الله عليه وسلم)سيدنا عبدالرحمن (رضي الله عنه)،من طلب الإمارة، قالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الإمَارَةَ، فإنْ أُعْطِيتَهَا عن مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وإنْ أُعْطِيتَهَا عن غيرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا).نسأل الله أن يعينك على هذا التكليف، وعلى هذه التحديات الجسام.

لذا أقول لك ياسيادة الرئيس من باب التناصح: ماقاله الشيخ محمد الشعرواي موصياً وناصحا للرئيس المصري السابق، قائلا له :اعلم أن الملك كله بيد الله يؤتيه من يشاء فلاتأمر لأخذه، أوكيد للوصول إليه، فلن يحكم أحد في ملك الله إلا بمراد الله، فإن كنت عادلاً نفعت بعدلك، وإن كنت جائراً صرت في نفوس الناس ظالماً والناس تكره كل ظالم، فإن كنت ياسيادة الرئيس قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل.

نعم لقد جئت في توقيت هو الأكثر تعقيداً وصعوبةً في تاريخ السودان، إلا إن أهل السودان يملأهم الأمل والتفاؤل باختيارك رئيساً للوزراء وكلهم لهفة لأن يروا حكومة رشيدة، ببرنامج سياسي يحقق آمالهم وطموحهم، فقد عانى الشعب السوداني، وأرهقته الأحزاب السياسية التي تحول بعضها إلى مزادٍ للمصالح.

لذا ينظر إليك بأنك طبيب لهذا الجسد السوداني الذي أنهكته الأزمات، فيريد منك العلاج اللازم له، والدواء الناجع له ،لا الوقوف في برج عاجي بعيدا عن جراحه وآهاته، ويريد الشعب منك توحيد الرؤية مع قيادة الجيش في إنهاء التمرد ودحره وليكن شعارك مطابقا لرغبة وإرادةالشعب والقيادة العسكرية بأن لاتفاوض مع من قتل ونهب ودمر واغتصب واذل وعاث فسادا ،وليكن شعارك مطابقاً لشعار شعبك، لامساومةفي حقوق الوطن والمواطن .

فمثلما يقاتل بواسل قواتنا المسلحة في ميادين القتال ضد مليشيا آل دقلو الإرهابية الإماراتية فانت كذلك سيدي الرئيس جندي لهذا الوطن معهم، في الميدان المدني تدافع وتنافح كالقوات المسلحة في الجانب السياسي والدبلوماسي من أجل اعادةهيبة الدولة،وبسط سيادتها وأمنها واستقرارها فالشعب بك يتطلع لدولة القانون، دولة ذات سيادة وطنية ولتحقيق ذلك لابد لك من المصادمة والشجاعة في إتخاذ قراراتك بعيدا عن سماسرة المناصب، وأصحاب المصالح، وبعيدا عن أي مؤثرات خارجية فالشعب السوداني هو سند لك، وهو يبني عليك آماله بأنك المنقذ له، لإنتشاله من كل الأزمات التي أخرت تقدم دولته كثيرا فلابد لك من محاربة

تجار الفساد، فالشعب الذي يقف الآن مع جيشه صفا واحدا، وفي خندق واحد، يريدك. كذلك داعماً لجيشه وعامود البلاد الفقري، وحامي العرض والأرض ،الذي قدم الغالي والنفيس دفاعا عن هذا الوطن، وزوداً عن كرامته، ضد أكبر المؤامرات أُحيكت على هذا الوطن.

فدعمك للمجهود الحربي يعني حمايةالبلادمن كل الأطماع الخارجية،كما يريد الشعب منك،اعادةبناءمؤسسات الدولة وتفعيلها،وإصلاح قوانين الخدمة المدنية وتهيئتها، للمرحلةالمقبلة ،لتقوم بدورها المنوط بها، ولكي تقوم بذلك فالمعيار لها نريده أن يكون الكفاءة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ليكون المعيار بالمؤهلات لا الإنتماءات وكما يريد الشعب ،تأمين فرص العمل للخريجين،كما يريد التغيير الجذري في الهيكل الحكومي، ليكون قدر مقام وتضحيات الشهداءالذين مهروا الأرض بدمائهم الطاهرة.

فلابد لك من حكومة تقوم على الكفاءةبعيدا عن الحزبية والمحسوبية والقبلية، ونتمنى لو كان فيها اشراك للدماء الشبابية، وليكون سيدي الرئيس أختيارك في تولي المناصب ممن هم أكثر، تأهيلا، وانصحهم في نفسك لله ولرسوله، و انقاهم جيبا ،افضلهم حلما ،ممن يبطئ عن الغضب، و يستريح إلى العذر ، ويرأف بالضعفاء ، و ينبو على الاقوياء ، و ممن لا يثيره العنف ولا يعقد به الضعف ) كما قال سيدنا علي (رضي الله عنه في كتابه إلى الأشتر النخعي). ليقودوا تلك الحكومة المرتقبةالتي ترضي تطلعات الشعب السوداني الذي يعقد عليك الأمال من أجل تحسين والوضع المعيشي له، واستعادة الخدمات العامة المتدهورة، ليهنأ الشعب السوداني الصابر بالعيش الكريم ، وتأمين معاشه، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي له.

فمن أجل تحقيق النجاح لحكومتك سيدي الرئيس لابد لك من المصادمة والشجاعة، فهناك سماسرة مناصب وأصحاب المصالح، فلابد لك أن تستخدم سلطاتك التي خولت لك للخروج بهذه الدولة من كل الأزمات التي مرت بها،والعمل على محاربة الفساد ،ومحاربةالمحسوبية  وفلابد لك من جهاز رقابي قوي يعمل بكل شفافية لمحاربة الاعتداء على استغلال المال العام ومراقبة الأداء الإداري والحكومي ،وكل أوجه الفساد السياسي كما لابد من إصلاح قوانين الخدمةالمدنيةلتقوم على الكفاءةووضع الرجل والموظف المناسب في المكان المناسب،واختيار القوي الأمين.

كما يريد الشعب منك سيدي الرئيس دعم المؤسسات الصحيةوالتعليمية، فأنت تعلم ماآل إليه التعليم في السودان من تدني وتدهور، فليكن التعليم من أولى أولياتك لأنه هو أنفع وأرفع سبل بناء الأوطان،وهو جوهر بناء الوطن، وتكوين المواطن، وهو الاستثمار الحقيقي الذي تقوم به الدولة، لترسيخ أركانها وتعظيم قدرات شعبها، فالتعليم أحد سبل التقدم والتطور الذي تنشده الحكومات لحمايتها من الأزمات فلابد من الأنفاق عليه بشكل سخي.

فهناك تحديات جمة تواجه قطاع التعليم في السودان، أهمها تدني ميزانيتةفي الموازنة العامة للدولةمما فاقم أزمة التعليم وأوصله إلى حافةالانهيار،فلإصلاح وتطوير العملية التعليمية عليك أن تعمل على تحسين أوضاع المعلم المعيشية، ليكون قادرا على خلق جيل مبدع ومبتكر، قادر على الإسهام الفعال فى بناء، وتنمية وطنه، ومواجهة تحديات المستقبل.

فالاهتمام بالمعلم، والارتقاء بظروفه المعيشية وقدراته، والسعى لتوفير حياة كريمة له، هى من أولويات القيادة السياسية في الدول المتقدمة، مما أدى إلى تطوير منظومة التعليم فيها، إذ يمثل المعلم عصب العملية التعليمية، ودوره لا غنى عنه فى تعليم وتأهيل الأجيال الجديدة، وغرس القيم الوطنية والأخلاقية، فالشعب السوداني يعقد عليك آماله في كثير من القضايا وينتظرك وحكومتك بكل لهفة لتحقيق تطلعاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى